حليمة بن درويش شاعرة سعودية تكتب بحبر القلب، وقع تحت يدي ديوان شعري لها يحمل اسم “عارية إلا منك”، العنوان جذب انتباهي لأول وهلة، فأمسكت بالصفحة الأولى، فإذا بي وبعد أكثر من ثلاث ساعات أجد نفسي “مرميًا” على رصيف الخاتمة النثرية التي هي شعر منثور، تُلخص فيه ما حدث. أما قلب العمل، وأما فحواه، وأما قصائده، فأنا لست ناقدًا أدبيًا حتى أحلل أو أهلل، لست سوى زائر نهار يحاول أن يرى الأشياء على حقيقتها، أن يسمي الأسماء بأسمائها وليس بأضغاث شواهدها، “عارية إلا منك”، شاعرة تحلم بالرجل السند وليس ذلك الذكر الذي يعيش على “قفا زوجته”، هي تحلم وتحقق الحلم، تتمنى وتصل إلى هدفها، تشتاق وتلتقي مع من تشتاق إليه على الفور.
حليمة بن درويش تكتب عن الجنون الذي يشبهها، تضعه شرطًا لتوافقها مع من تحب، تواضعها عندما تختطفها عزة النفس، أو كرامة البدن:
“تسافر بأجنحتي حين تهمس لي، أحبكِ، كم تبدو تفاصيل الحلم في ارتعاشات صوتك مُبعثرةً، تدندن في خجلٍ، أكانت عيناك مرآتي، ونبض القلب يا قلبي، فيك الوجود، أرض خصبة، تولد أحلامًا، أمنيات، بل عشقًا أزهر”، وهكذا يتداخل الجنون لدى حليمة مع عابر سبيل يتسلل صوته لتقول: “في داخلنا قلبُ طفلٍ صغير، لا يريد أن يكبر، وتسألني، وكأنك ما كنت يومًا معي، ترنو بطرفك نحو غيمةِ المطر، الندي، ترسم على الأفق شمسًا تسكن بلدًا آخر، وطيور القلبِ مُحلقةً في وجهها، البائس، تحمل أمنياتنا.. تُشبهنا وتُشبه طفولتنا”. لكن البوح يلحقنا في قصيدة “بن درويش” في العام 2015، كانت تناجي القدر، وسوء المنقلب ساعة الانتظار، وكان يراوغها الغياب والحضور، والحضور والغياب، وكأنها سحابة تبحث عن سماء موحشة بلا غيوم، عن فضاء أعزل من دون مجرة.
حمله أو تحمل فيه، قد تلد كوكبًا يشبه الأرض، وقد يكون الحمل كاذبًا فلا تنجب الغيمة سوى الرياح والعواصف والأعاصير.
“من علمني حرفًا صرت له أستاذًا”، هكذا التحريف، وهكذا “التخريف” عندما يفقد الرشد والرشاد بوصلته، لكنه مثلما اتفقنا في قصيدة “الجنون”، إنه الجنون، هو العين الساهرة على دمعة لا تجيئ، والجسد المُسجّى فوق أريكة مهملة منتظرًا لحظة اللقاء الأخير.
تكلمت حين انكفأت، وانفجرت بعد أن صار البركان ضعيف المحتوى، ركيك الانسياب نحو الوادي السحيق، حليمة بن درويش شاعرة حقيقية، محاسن الصدف قادتني إلى ديوانها، إلى قصاصات من صدق مشاعرها، ودفاتر أحوالها، وهكذا صدقت نفسي عندما وجدت فيها كفاحًا بلون الشقاء، وطموحًا بحجم أسطورة سيزيف، هل أنت تعيش اليوم من أجلي أم أنك تعيشه والسلام؟!.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية