عندما حلت التكنولوجيا علينا فرحنا كما الأطفال، من أول “الأتاري” و”البلاي ستيشن” حتى فضائيات الديجيتال والذكاء الاصطناعي. أسعدتنا الهواتف النقالة التي تصنع كل شيء، و”اللاب” الذي يتكلم جميع اللغات، وأجهزة الكمبيوتر العابرة للقارات والمجرات. فرحنا كما الأطفال، ولهثنا خلف التلفاز الذي يراقبك، والهاتف الذي يفعل المستحيل من أجل أن يصل إلى أحلام الطرف الآخر عندما يغيب، وأخيراً خرجت علينا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتفكر بالنيابة عنا، لتكتب الشعر والنثر وما بينهما، لتصحح أخطاء البشر عندما يخطئون وتحدد مستقبل الكون كلما فشلت العرافة “ليلى عبداللطيف” في سبر أغوار المجهول، والست بسنت في استكشاف كوارث العام القادم.
جاء الذكاء الاصطناعي ليحل محل البشر في تحريك كل شيء، وتتبع كل شيء، واستلهام العبر من كل شيء، حتى أصبحنا مجرد لعبة في يد “الروبوت” وأداة من أدواته، وإدارة من إداراته. وبدلاً من أن نستخدم الذكاء الاصطناعي في الطب والهندسة والعمران والإعلام والزراعة، أصبح هو الذي يستخدمنا، هو المسيطر علينا، هو الآمر الناهي في جميع تصرفاتنا، أصبح تقليعة وموضة العصر، كأنه ثوب جديد من اكتشاف مصمم أزياء عبقري، أو صندوق مجوهرات فريد، يحمل كل ما هو نفيس وكل ما هو مثير، وكل ما هو مستحيل. عندما سيطر الخيال العلمي على مخرجي الأفلام في هوليوود، قلنا ما هذه الخزعبلات، كيف بالله عليكم تتحرك الطائرة من دون طيار، والصاروخ من تلقاء نفسه، والسيارة بقوة محركها الفذ، وقلنا مثلما قالت جدتنا “الحاجة” في الزمن الماضي عندما يتمدد باب الدار الحديدي بالحرارة ويصبح من الصعب غلقه، سبحانك يا رب “الباب هو الباب الذي يقفل من تلقاء نفسه في الشتاء فكيف لا يحدث ذلك في الصيف؟ طبعاً لم تتحل الست الحاجة بالصبر أو العلم حتى تقرأ أن المعادن تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة.
“المقال كاملا في الموقع الإلكتروني”.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية
ولم يكن لدينا ذلك الخيال الذي سعى إليه هنشكوك أو فلليني أو أباطرة الخيال العلمي حتى تتحول الحرب “الصاروخ والجلباب” في أفغانستان.. إلى حرب بـ “الدرون”، وأشعة الليزر، والموجهات الديجيتال في فلسطين. كل شيء تغير، حتى تحولت اللامعقوليات إلى معقوليات، والأفكار الجهنمية لتصبح “دقة قديمة”، و”الديش” حالة مؤقتة ذهبت إلى حال سبيلها.
وها نحن اليوم نقف أمام التحدي الكبير، الدنيا التي يشارك سوانا في إدارتها، والخيال الافتراضي الذي أصبح أمراً واقعاً بفعل التكنولوجيا واحتلالنا بالعقل الرقمي، الذكاء الذي لم يعد اصطناعياً وهو في يد إنسان مستسلم تماماً للقادم الافتراضي الجديد.
أصبحنا نلهث خلف الذكاء الاصطناعي ليدخل تفاصيل حياتنا الصغيرة، كل شاردة أو واردة وما بينهما، كل القاصي والداني وما ينأى بهما، تحل التصرفات والسلوكيات التي أصبحت مجرد ذكرى في عقل جماد، ولم تعد قيمة في وجدان إنسان.
الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمنا بعد أن تملكنا، وبعد أن تم تصديره إلينا كما بدلات “فرساتشي” و”باكورابان”، و”جورجيو أرماني” و”بريوني”، وغيرها، من لم يرتدها يوصم بالتخلف والتراجع وقلة الحيلة، ومن يستسلم تماماً له يصبح عالماً ومتقدماً وعبقرياً ويفوز بالوظائف والأرباح والشهرة الواسعة. يتبع.
*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية