العدد 5719
الثلاثاء 11 يونيو 2024
بدون عنوان
الثلاثاء 11 يونيو 2024

ما أن نشرنا مقالنا الماضي بعنوان “كهنوت النقد الأدبي” حتى اشتعلت المواقع، وامتلأت بالتعليقات بين مؤيد ومعارض وبين كاره ومحب.
كان “البلوك” الأول من مغرور يدعي أنه لم يفهم شيئا من هذا، ومن آخر يفرش البساط ويمد انتقاده على استقامته لعل وعسى أن تكون “القاضية” بلمس الأكتاف.
لم يكن أمامي بد إلا أن أتحلى بالصبر، وأطرق أبواب المحسنين وهؤلاء المسالمين وأؤلئك الأصدقاء المحايدين.
شكرت الناقد الكبير البروفيسور أحمد فرحات وأرسلت إليه اسما على مسمى، وعنوانا عريضا وددت لو تسمح لي المهنة أن أغدق عليه بمشاعري وأرنو إليه من بعيد قائلا:
“أعلم علم اليقين أنك ناقد قدير ومفكر عزيز الكلمة، النقد الذي أحبه، هو النقد الذي أقبله، قاعدة عاطفية تنأى بنفسها عن كل لسان، لا يوجد في أنسنة الادب ما يمكن أن نطلق عليه، هذا نحبه وهذا نريده، الأدب الإنساني فقد رونقه تحت آباط المجاملات الفجة، لم يعد متجردا من شخصنة، ولا متبرئا من تمييز، لذا لم يكن أمامي بد من الذهاب الى معابد الكهنة الأوليين، إلى بيوتهم المقدسة المخفية تحت صخور الجرانيت العنيدة، وتلك المبنية بطول الطمي الطازج منذ آلاف السنين، لم أعثر سوى على هؤلاء الذين يتنعمون في فراش الحكام الأشاوس، كافور الإخشيدي، والحاكم بأمر الله، والمأمون والرشيد، وأبي جعفر الثقفي، والجهابذة الأيدلوجيبن، وجدت خلطا مخلا في آراء البعض، وقوما مبجلا لا يسيس الأدب، ولا يؤقصد السياسة، وعثرت فيما عثرت على الذين لا يفرقون بين الحب والرغبة، بين الغريزة والقلب الحنون، بين الرأي العلمي الحكيم، والرأي الملوث المعجون بالفئوية والطائفية الأدبية، والمناطقية التمييزية، وجدت يا بروفيسور أحمد من يتخفى في ثوب شاعر شامل يكتب في كل شيء، ويلعب كل الأدوار، ويقوم بجميع البطولات ويحصد أهم الألقاب، وجدت سيطرة طبقة على كل الطبقات، وفئة على ما عاداها من فئات، وارتأيت ضمن ما ارتأيت أن سر الفوضى قد يكمن في غياب الناقد النزيه، أو بمعنى أدق المنزه عن الأيدلوجيات، والمصفى من شوائب العقيم من نظريات، ووجدت ضمن ما وجدت جيلا كاملا كاد يحكم عليه بالإعدام في حقبة السبعينيات، ثم وجدت صرخة ما بعدها صرخة لتبجيل المبجل وتهميش المهمش، وضعوا أمل دنقل رغم عظمته مكان الحاكم بأمر الله، وأدونيس كأنه الكاهن هامان، وأحمد حجازي وكأنه عمدة العاصمة الأدبية في المحروسة. ووجدت فيما وجدت نفرا شريفا من النقاد الذين يحرثون في البحر، أمثالك والمرحوم شاكر عبدالحميد والراحل جابر عصفور والدكتور محمد زيدان والمؤرخ والشاعر الكبير شعبان يوسف، والعديد من الأدباء الموهوبين الذين يحاولون إعطاء كل ذي حق حقه بأمانة ونزاهة وإخلاص، وجدت فيهم وفي بعض الزملاء المبدعين أمثال عبد المنعم رمضان عبيد الشاعر الكبير والشاعر الأصيل جمال القصاص وأمجد ريان وعيد عبدالحليم ومحمد الشحات وإبراهيم داوود والسيدة الفاضلة هبة السيد عبد الوهاب وغيرهم الكثير مما لا يتسع المقال لرصدهم، وجدت فيهم عطاء واستغناء وقبولا لا حدود له بالموهوب والمطلوب، خصوصا ما جاءت به مؤخرا الشاعرة القديرة دكتورة عزة بدر وهي تحاول بإصرار عنيد ان تلعب دورا مهما على صعيد الخلط غير المخل بين الفنون والآداب، بين النثر والشعر، بين الابداع الطبيعي والذكاء غير الاصطناعي، هنا شعرت بأن الكاتب لابد أن يكون له دور تنويري، ألا يستسلم يا دكتور فرحات لحالة الفوضى العارمة التي تكتظ بها السوق المصرية والعربية، أن يكون لكل شيء قواعده ومعاييره، وأن تكون هذه القواعد قائمة على أعمدة وأركان شديدة الحياد، وغير مائلة بشخصنة مبالغ فيها أو بعدوانية مصدرها حدث لم يحدث، ونفس أمارة بكل شيء، وإزاحة عن قصد وتعمد، لا إباحة عن تفريط وتجريح، فكرت أن تلحق بي وتواصل خطاك الحكيمة لتحكم بيننا بالعدل، لا أن تتركنا هكذا فريسة لبعضنا البعض، أو غنيمة في يد لا ترحم”.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية