قبل أيام خرجت الأخبار في دولة عربية لتبشر بإلغاء الكليات النظرية والتركيز فقط على الكليات العملية، ومعاهد برمجة الحاسوب، والدراسات التكنولوجية المعتمدة على التقنيات المتقدمة، الخبر للأسف صحيح، لكن عزاؤنا وعزاء منظومة المفكرين المنتمين أنه مازال حبرًا على ورق، أنه مازال ضمن خطة وبرامج لربط التعليم بأسواق العمل، وأنه مازال قيد الدراسة وليس قيد التنفيذ.
بكل تأكيد فكرة الإلغاء لأي شيء أجدها مرفوضة منطقيًا وبديهيًا، إلغاء كليات نظرية يعني إلغاء التفكير، إلغاء التدبير، إلغاء النظريات التي قامت على أكتافها العديد من الآداب والفنون، الكثير من الصروح العلمية والتعليمية التي أخرجت لنا أدباء ملء السمع والبصر، ومفكرين قادوا الأمة نحو عصور التنوير من أوسع أبوابها، كلية كالحقوق مثلاً هي التي جاءت إلينا بجهابذة وفطاحل القانون التجاري الدولي، والقانون المدني والجنائي أمثال السنهوري باشا والدكتور محسن شفيق وغيرهما، وهيئات التحكيم باختلاف تخصصاتها وتفرعاتها. أما كليات كالآداب فهي التي كان يشغل عمادتها لسنوات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وهي التي كان يحاضر فيها الفيلسوف والمفكر الكبير الدكتور زكي نجيب محمود، والدكتور فؤاد زكريا، والدكتور عبدالمنعم تليمة، والدكتور فؤاد مرسي، والدكتور جمال حمدان صاحب مرجعه العالمي شخصية مصر "دراسة في عبقرية المكان"، كل هذه الرموز كانت تُدرس الآداب والتاريخ والجغرافيا والحقوق واللغات من جامعات مازالت تملأ الدنيا ضجيجًا معرفيًا، وتراثًا متوارثًا، وذكاءً طبيعيًا وليس ذكاءً اصطناعيًا. صحيح أن الدنيا غير الدنيا والزمان غير الزمان، وصحيح أن علوم الحضارة أصبحت تشتمل على كل ما له علاقة بأسواق العمل، بمواقع التواصل الاجتماعي، بالتكنولوجيا الفارقة والعلوم الرياضية والمالية والمصرفية، والصحيح أيضًا أن فرص العمل أمام خريجي كليات القانون والآداب والعلوم السياسية والاقتصاد انحصرت لحدود لم تعد مقبولة، ولا تلبي طموحات الأجيال الجديدة، لا ماديًا ولا حتى معنويًا، لكن الأكيد أن تقنين القبول في تلك الكليات يعد أفضل حل وسط. "المقال كاملا في الموقع الإلكتروني".