العدد 5704
الإثنين 27 مايو 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الهويات المضلِّلة
الإثنين 27 مايو 2024

لا يخلو حديث الهوية من بعض الالتباسات أينما وردت في خطاباتنا، فهي هوية وطنية أو قومية، أو دينية أو طائفية أو عرقية أو حتى مناطقية أحيانا أخرى، أو هي خلطة من كل ذلك أو بعضه، فخطاب الهوية بطبيعته ضدّي، يميل إلى نفي الآخر حتى في أكثر المجتمعات تقدماً. إن الحل الذي لجأت إليه المجتمعات الأكثر تقدما لتجاوز ذلك مبدأ المواطنة المتساوية كأساس يرتكز عليه التنوّع الاجتماعي (الاثني أو الروحي أو المناطقي..)، بحيث يقوم الاجتماع البشري على وفاق اجتماعي - سياسي يتجاوز الهويات الصغرى بميثاق وطني، يرتكز على القانون والدستور. وهذا هو المدخل لتصحيح الفوضى في الاجتماع السياسي وعوائق الوفاق الوطني في المجتمعات. إلا أن الحديث عن المواطنة المتساوية يجب أن يترجم على الأرض في الأفعال والأقوال، من خلال العدالة والإنصاف والجدارة.
لكن استبعاد المواطنة كأساس للعيش المشترك، والعمل على فرض هويات أخرى هو أسوأ ما يمكن أن يصيب المجتمعات، إذ ليس هناك ما هو أفضل من أن يكون الناس مواطنين أحرارا من دون وساطات أو تسلط عليهم سوى من سلطة القانون. فعندما تبدأ المجتمعات بالتعبير عن نفسها بهويات بعيدة عن المواطنة، يفضي ذلك إلى استدامة الانقسامات والصراعات التي لا تنتهي. والبنى التقسيمية تعمق أسباب التصنيف الفئوي الذي يحول دون بناء المواطنة المتساوية، ويكرس النزعات التقسيمية. ومن المفارقات أن ذات الخطابات المؤسسة على الهويات البديلة، غالبا ما تتحدث عن التسامح والتعايش، من دون استلهام ما يجمع الناس في المستقبل المشترك، الكامن في المواطنة المتساوية، بل تركز على الماضي وصراعاته، مستلهمة مفرداته وسردياته واستعاراته المؤسسة المؤججة لهذه الصراعات التي يقوم أغلبها على أسس واهية، حيث تنجح الماكنة التقسيمية في جعل المجتمع يعيش حالة ازدواجية مزمنة في مجال الانتماء. قد يكون من الصعب إلغاء البنى التقسيمية بشكل جذري ونهائي، لكن الإصلاح السياسي والثقافي التدريجي لمعوقات بناء الدولة العصرية القائمة على المواطنة المتساوية، في سياق تطبيق الديمقراطية وتعزيز مدنية الدولة، والتحرر بإيماننا الفردي لنكون مواطنين أحرارا بقرارنا وبأصواتنا سوف يؤدي إلى التحرر من تلك البنى التقسيمية.
*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية