التقاعد فرصة لاكتشاف الحياة وهذا مفهوم نقيض لما هو سائد تماما بأنّ المتقاعد أنهى مهمته في الحياة وآن له أن يتوقف. إنّ بين المتقاعدين العشرات بل المئات ممن تكونت لديهم الخبرات المتعددة في مجالات مختلفة، بيد أنّها للأسف لم تجد من يدعمها ويوجهها، وكان يجب أن تستثمر بما يحقق الفائدة لها ولمجتمعها. وأسعدنا أن تبرز إلى الوجود في الأيام الفائتة جمعية تهدف إلى دعم المتقاعدين والحفاظ على مكتسباتهم، وتسعى نحو استدامة المحالين على التقاعد وتنمية مدخراتهم، كما كان بين ما تطمح إليه دعم المواهب والقدرات العلمية والفكرية للمتقاعدين.
والمتأمل للأهداف المشار إليها أنها جميعا تدور ببال المتقاعدين، لكن يبدو من الصعب ترجمتها إلى الواقع، لكن يكفي المؤسسين أنهم وضعوا في اعتبارهم هموم هذه الشريحة من المواطنين. لابد من التوقف أمام سعي الجمعية إلى توفير الفرص لذوي الخبرات من المتقاعدين. وهذا يذكرنا بالتجربة اليابانية التي تعد بحق نموذجا فريدا جديرا بالاقتداء، وتتلخص في إعادة توظيف ذوي الخبرات كمستشارين في الإدارات الحكومية.
ولم يغب عن بالهم منحهم امتيازات تتناسب مع سن ما بعد التقاعد. وهذا بالطبع ينسجم مع شخصية الفرد الياباني ورغبته في العمل والإنتاج حتى آخر يوم في حياته.
المؤسف أنّ لدينا الكثيرين ممن أحيلوا للتقاعد ويتمتعون بالخبرات والقدرات، لكنها أصبحت معطلة. إنّ جلّ هؤلاء يحلمون بإتاحة الفرص لهم لتوظيف خبراتهم بما يتناسب مع قدراتهم. هناك بين المتقاعدين من تجاوزوا الستين والسبعين يمارسون أعمالا متعددة ولم يقف العمر عائقا أمامهم، ذلك أنّ الإبداع ليس محصورا بعمر محدد. ونذكر هنا بتجارب مدهشة لبعض المعمرين، كأحدهم الذي تجاوز الثمانين واستطاع تسلق جبال الهيمالايا، وإحدى المعمرات ممن تعدت الخامسة والسبعين تمارس ركوب الدراجة الهوائية، وهناك حالات أخرى جميعها مثيرة للإعجاب.
والذي يثير الأسى أنّ أغلبية المتقاعدين لدينا وجدت في المجمعات ملاذا لها من جحيم الفراغ القاتل، ولابد من التذكير بمقولة باتت رائجة في السنوات الأخيرة “اكتشف ذاتك”، وتعني أنه على الإنسان أن يكتشف قدراته وبالتالي العمل على توظيفها.
كاتب وتربوي بحريني