تمر في هذه الأيام من شهر حزيران الذكرى 57 للهزيمة العسكرية العربية، والتي يطلق عليها العرب مسمى النكسة تخفيفا لغويا من وطأة هزيمة أدت إلى احتلال مساحات واسعة من الأراضي العربية.
هذه الهزيمة نُظر لها في الغالب من قبل العرب على أنها مجرد نكسة عسكرية، في حين بينت الوقائع أنها هزيمة حضارية شاملة في مواجهة (الغرب) الذي صنع إسرائيل ومدّها بأسباب الحياة والقوة ولا يزال.
ولعل الدكتور محمد جابر الأنصاري كان أحد المثقفين العرب الذي نبّه إلى هذا الأمر، من خلال عدد من الدراسات من بينها: (الفكر العربي وصراع الامتداد) 1979م، والمنشور في العام 1995م، وكتابه: (تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي) الصادر سنة 1980م، وكتابه: “مساءلة الهزيمة” الصادر في العام 2001م، حيث قام بتحليل الأوضاع العربية خلال الفترة من 1971م وحتى نهاية القرن العشرين. متحدثا عما أسماه بـ (ثقافة المراجعة في زمن التراجع) أو (حرب الثقافة بعد صمت المدافع)، مركزا على صدمة 1967م وغياب ثقافة المراجعة في وجه التراجع النّاجم عن طبيعة القوى المجتمعية الداخلية والخارجية، وصولاً إلى محاولات الفكر العربي الحديث استعادة التحرر في عصر النهضة الحديثة، إلا أنه عاد إلى حالة الحصار بدءا من نكبة 1948م، وبهزيمة 1967م، وتحولات ما بين صدمة وهزيمة، وحرب أكتوبر 1973 وكامب ديفيد (77 - 79)، إلى احتلال بيروت 1982م، والحرب العراقية الإيرانية 1988م، وخطيئة احتلال الكويت وتدمير العراق بين 1990 - 1991م، وما رافق ذلك كله من فتنة عربية كانت بمثابة الحرب الأهلية العربية. إلا أن الأهم ضمن منظور الأنصاري أن هذه الهزيمة تعود في عمقها إلى ما أسماه بـ (ارتطام الأمة بحقائق العصر الحديث)، ما جعل الفكر العربي فكرا تحت الحصار، وصولا إلى الحصار (الأصولي) أو (الصحوة) المعادية للعقل والباعثة لمذهبيات وفتن تاريخية أفضت إلى التكفير وإباحة القتل. ومن أهم نتائج هذا التحليل وفقا للأنصاري أن (فشل المدينة العربية أدى إلى سيطرة ثقافة الريف والحصار الأصولي للمجتمع والفكر)... تلك هي جذور الهزيمة ونواتجها. وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني