العدد 5714
الخميس 06 يونيو 2024
هامش حول التجربة البرلمانية والحياة الحزبية
الخميس 06 يونيو 2024

أعادني إلى هذا الموضوع عدد من التعليقات على ما جاء في المقالة السابقة بشأن تقييم العمل البرلماني والنزعات السلبية التي لا ترى فيه أية فائدة. إذ انني على قناعة بأن الخزان الرئيسي للعمل البرلماني في أي بلد، هو الجمعيات السياسية، والتي أصبح أغلبها حاليا خارج المشهد البرلماني، تاركة الميدان للتمثيل الفردي والنزعات الشعبوية والاجتهادات الفردية، (ربما باستثناء كتلة المنبر الديمقراطي)، ولذلك فالقضية ترتبط بالحياة السياسية أكثر من ارتباطها بالتجربة البرلمانية نفسها. ومازلت أعتقد أيضا بأن الديمقراطية من دون جمعيات من الصعب أن تؤتي ثمارا مستدامة، فغياب الجمعيات أو ضعفها المزمن يجعل الشعبوية متحكمة في المشهد السياسي وتملأ الفراغ، وذلك أن الحياة الديمقراطية من دون جمعيات سياسية “فاعلة” تكون من دون جدوى.
هذا هو الدرس الذي يجب استخلاصه مما يحدث في أكثر من مكان في العالم، إذ لا يمكن القفز على هذه الحقيقة أو مناورتها لتضييع الوقت، فتتحول المزايدة في الحياة السياسية إلى منهج، وخلط الأوراق إلى أسلوب بديل عن العمل السياسي المشروع والمنظم، فتعم الفوضى والاضطراب والتشكيك، وربما هذا أحد الأسباب التي حدت بالبعض إلى التشكيك في مدى فائدة العمل البرلماني بصورته الحالية والتقليل من شأنه. إن الجمعيات السياسية في البلاد العربية - إلا في حالات محدودة - ظهرت للوجود منذ عقود قليلة فقط، ولم يسمح لها بالعمل القانوني إلا في زمن متأخر، ولا تزال تبحث لها عن دور وسط الفوضى والتفكك والتشكيك وهيمنة جماعات الإسلام السياسي التي تتصدر المشهد مع أنها ليست بأحزاب سياسية حقيقية، لذلك لم تتمكن من تحقيق أي نجاح على الأرض، بسبب معادلتها الجاهزة: “لا إصلاح ولا تطوير، إلا من خلال الغلبة السياسية”، وهذا ما جعلها في صدام مستمر مع السلطات العربية، فضلا عن عدم قدرتها على تجديد نفسها وقراءة المتغيرات المحلية والدولية، ومواكبتها وتوظيفها بما يحافظ على دورها السياسي المدني، بعيدا عن الشعارات والخطابات التعبوية الشعبوية التي تبيع الوهم للناس.
*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .