العدد 5707
الخميس 30 مايو 2024
banner
من أجل المستقبل
الخميس 30 مايو 2024

يفترض أن يكون المثقف العربي محرك الفكر ومنتج الإبداع ومولده، قادرا على استشراف المستقبل بما يمتلكه من أدوات وقدرات تجعله في مقدمة القوى الحية التي تصنع قوة الأمم وتفوقها، لكن في الواقع مازال المثقف عندنا بعيداً عن ذلك، فمنزلته هامشية، وجل فعله يكمن في التقليد واجترار ما ينتجه الآخرون، والمقلد المجتر لا ينتج إبداعاً ولا يستشرف مستقبلا. المشكلة أيضا ليست في منزلة المثقف فحسب، بل هي أيضاً مشكلة مجتمعية، فالنظام العربي كما المجتمع يعيشان في حالة فقدان توازن ووزن معا، ومن الطبيعي أن نكون غير قادرين على استيعاب حقيقة المخاطر والتحديات التي تهدد وجودنا ومستقبلنا، لذلك فإن ما نطلبه من المثقف يشبه المعجزة: أن يستوعب ما يجري في مجتمعاتنا وأن يحلله بوعي، وأن يستطلع ما يجري على الطرف الآخر، وأن يمسك مفاتيح التقدم وأن يستشرف الأخطار التي تنذر بهبوب العواصف، وأن يكون قادرا على استشراف المستقبل.
هذا المستقبل الذي أضيف إلى سلسلة القياسات الحضارية التي تنقسم الأمم على أساسها، وعلى ضوئها تتحدد علامات التقدم والوهن بين الشعوب والثقافات، وعلامات التقدم المفارقة بينها. فالأمم التي تعي أهمية الاستشراف، وتقدير الآفاق الكبرى التي تفتحها الدراسات المستقبلية، والأمم التي تهتم بالتنبؤ وتهمش الدراسات المستقبلية، كترجمة للعجز والخوف من ارتياد المستقبل، فضلا عن عدم القدرة على الفعل في الحاضر. إن الاهتمام بالدراسات المستقبلية والاستشراف الاستراتيجي يتطلب تعزيز آليات تفكيرنا في هذه اللحظة التاريخية الفارقة التي يدخل فيها تخصص المستقبليات جيله الرابع في سياق مندمج مع الثورة الرقمية والمعلوماتية في الدول المتقدمة في الشرق والغرب، فيما لا نزال نسبح في عالم الخرافة. إن غياب الاهتمام بالمستقبليات وبقاء ثقافتنا على هامشها مشدودة إلى اهتماماتها الكلاسيكية هو عنصر من عناصر خيبتنا الحضارية، كما أن إنشاء مراكز للدارسات أمر مهم لكنه غير كاف إذا لم يستوعب الحقل الثقافي. فالفضاء الأكاديمي عندنا مازال غير قادر على اقتحام مجال المستقبليات، لأنه يركز اهتمامه على (النزعات المدرسية) المغرقة في تقليديتها والمنصرفة إلى هموم ذوات فاعليها بالدرجة الأولى، ولذلك فالتعويل عليها لوحدها لن يكون مفيدا.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية