العدد 5666
الجمعة 19 أبريل 2024
banner
تغيير المناخ وما هو المطلوب؟
الجمعة 19 أبريل 2024

تعرضت البحرين ودول الخليج، هذه الأيام لأمطار غير مسبوقة لم تألفها المنطقة وأهلها. ومن أسباب الأمطار حدوث منخفض جوي على سطح الأرض مع زيادة الحرارة، بسبب تغيير المناخ. وتغيير المناخ يعاني منه كل العالم ومجابهته تتطلب الحرص والوقوف بصلابة في وجه هذه التغييرات. وهذا مطلوب من الدول والمؤسسات العامة والشركات بل ومن كل الأشخاص بما فيهم أنت وأنا، لأن القضية تهم الجميع. سأتطرق هنا، لدور البنوك بهذا الخصوص، ومنذ بداية الأعمال المصرفية ظلت العلاقة بين البنوك والزبائن قائمة على التعامل المادي الذي يحقق للطرفين الفائدة المادية البحتة. وكانت البنوك تتبارى في تمويل المشروعات الكبيرة وفتح الخزائن دون مراعاة لأية آثار جانبية أو سلبية تضر بالبيئة والأرض التي نعيش عليها، إذ كان مفهوم الحفاظ على البيئة غائبا تماما. 
ومنذ فترة تكالبت الضغوط من الإنسان على البيئة مما أدى لتغيير المناخ، وتقليص الغطاء النباتي بسبب التصحر، وحدوث ثقب في الأوزون، وقلة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، وغيرها من المتغيرات على وجه الأرض التي نعيش على سطحها. وكل هذا أتى بسبب عدم المحافظة على البيئة بل وتجاهل كل النداءات الخاصة بذلك. والوضع يتطلب اتخاذ خطوات جادة، والقطاع المصرفي تنبه لدوره وبدأ في اتخاذ خطوات لحماية البيئة عبر عدة وسائل منها سياسة (التمويل الأخضر) الذي تنتهجه بعض البنوك من أجل الحفاظ على البيئة وعلى الأرض ومن فيها.
وغرفة التجارة الدولية بباريس عبر لجنتها المصرفية قامت بدراسة كيفية المساعدة في الحفاظ على البيئة. وصدرت عدة موجهات على البنوك انتهاجها لتحقق تقديم المساعدة لأنفسنا وللبشرية من أجل العيش في عالم نظيف خالٍ من الملوثات والغازات السامة ومداخن المصانع والأتربة والإنبعاثات والسموم وتقلبات الجو وغيرها.

تقوم بعض البنوك الآن بعدة خطوات لتحقيق (التمويل الأخضر) ومنها اشتراط تقديم شهادة معتمدة من الجهات المختصة بالبيئة توضح أن المشروع غير ضار بالبيئة ولا يشكل تهديدا مباشرا أو غير مباشر، وتمنح الأولوية للمشروعات التي تحافظ على البيئة وبالعكس لا يتم التمويل.
 ويطلب من صاحب المشروع تأكيد تنفيذ المتطلبات البيئية حتى يتم تقديم التمويل وهذا يحدث في أمثلة عديدة كتوضيح كيفية السيطرة على الغازات والأدخنة والانبعاثات الصادرة من المصانع أو كيفية التخلص من المياه المستخدمة في الصناعة وعدم تركها للتسرب خارج المصنع مما يسبب الأضرار الصحية، وكيفية المحافظة على صحة العمال وعدم تعريضهم للحوادث والأمراض البيئية من استنشاق للسموم والأتربة والزئبق وبقايا المواد المستخدمة في الصناعة وتقديم الملابس الوقائية لهم وتدريبهم مهنيا لحسن وسلامة تنفيذ أعمالهم… بل ربما يطلب تقديم شهادة توضح عدد الساعات التي عمل فيها المصنع من دون أي حوادث… وكل هذا لتأكيد أن فلوس البنك ستقدم لما هو ملائم للحفاظ على البيئة وعلى من هم على سطح الأرض من إنسان وحيوان ومياه وهواء وطقس… وغيرها. 
وهناك، متطلبات أخرى لتمويل تشييد المباني العالية الكبيرة خاصة بنوعية المواد الخام المستخدمة وكيفية السيطرة على الحرارة أو البرودة وتقليل استخدام الكهرباء والطاقة الصناعية، ومتطلبات خاصة لتمويل المشروعات الزراعية والحيوانية والسمكية ونوع الأسمدة والتربة المستخدمة لزيادة الإنتاج ونوع الكيماويات والمبيدات المطلوبة لحماية المحاصيل ولمحاربة الآفات والطيور والحشائش الضارة… وفوق كل هذا، كيفية المواءمة بين الإنتاج في هذه المشروعات والموارد الطبيعية التي حبانا بها المولى جل جلاله.
البنوك تبذل الآن جهودا حثيثة في الحفاظ على البيئة عبر انتهاج سياسة التمويل الأخضر، وربما تفقد البنوك بعض المشروعات والعوائد الكبيرة منها، ولكن الوقفة القوية في هذا الموضوع ضرورية وتعتبر من أولويات واجبات المساهمة الاجتماعية التي تقدمها البنوك. وهذا يظهر جليا، وبصفة خاصة في المشروعات الضخمة في البترول أو الغاز أو مشروعات الطاقة الكبرى لتوليد الكهرباء أو بناء السدود أو لاستخدام الطاقة النووية أو إزالة الغابات والغطاء النباتي لإقامة مشروعات كبيرة أو تشييد مدن حديثة أو مرافق خدمية كبناء خطوط السكك الحديدية أو الموانئ أو المطارات الضخمة … هذه المشروعات تتطلب المليارات وعوائدها وفوائدها للبنوك غير محصورة بل يسيل لها اللعاب، ولكن يجب على البنوك أن تراعي تقديم التمويل المالي بعد استيفاء المتطلبات الخاصة بحماية البيئة والطبيعة والمحافظة عليهما. وتم وضع معايير دولية يجب مراعاتها والتقيد بها عند التمويل، وبالعدم تتعرض البنوك للمساءلة من عدة جهات دولية وإقليمية وهذا قد يقود إلى فرض عقوبات وجزاءات متعددة على البنوك غير الملتزمة. وللعلم هناك مشروعات ضخمة تم وقف تمويلها بعد أن اتضح عدم التقيد بالحفاظ على البيئة وبما يسبب أضرارا لها، والأمثلة كثيرة نشير منها لموقف البنك الدولي الحازم ضد إحدى الدول حيث تم إيقاف تمويل خط أنابيب النفط بمليارات الدولارات لينقل النفط للتصدير. ولقد وجد هذا القرار ترحيبا حارا من كل العالم. والمطلوب من الجميع الحرص على الحفاظ على البيئة وعدم العمل على تغيير المناخ لصالح الجميع لننعم بالحياة في أرضنا الجميلة “ولا تفسدوا في الأرض”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .