العدد 5665
الخميس 18 أبريل 2024
فيلسوف الحُب
الخميس 18 أبريل 2024

كانت علاقة الحُب التي ربطت أديبنا الكبير طه حسين بالفرنسية سوزان بريسو إبان دراسته في فرنسا من قصص الحُب العالمية الخالدة المتفردة  من نوعها؛ كونها جمعت بين كفيف شرقي ومُبصرة أُوروبية،لكنها لم تحظ للأسف، إن صح تقديرنا، بشكل كاف من التحليل المعمق، وقبل أن نبدي اجتهادنا عن الأبعاد والدلالات الإنسانية بعيدة المدى لهذه العلاقة،  لعل من المجدي هنا بدايةً أن نُذكّر بأن التاريخ الإنساني يزخر بقصص حُب مثالية لا حصر لها كانت تجمع الرجل بالمرأة. وتُخبرنا هذه القصص كيف أن العلاقة بين الحبيبين تشتد وتُكسب نكهة رومانسية مميزة حينما يكون كلا الطرفين مثقفين أو أديبين، أو أحدهما على الأقل، حيث يكون لسحر الكلمات النثرية أو الشاعرية مفعولها القوي في إشعال جذوة الحُب. لا بل أن كثيراً من هذه العلاقات تنشأ على إثر إعجاب طرف-سيما المرأة- بكتابات الآخر في الشعر والنثر،وإن كان الكثير من أنماط هذه العلاقات لم ينجُ من الفشل.
وكان طه حسين واحداً من أكثر أدباء العرب العشّاق  الذين جمعتهم علاقة حُب رومانسية تكللت بالنجاح التام زواجاً طوال حياتهما.إذ لم يكن مُحباً مثالياً في قصة حُبه فحسب، بل كان مُنظّراً وفيلسوفا من الطراز الأول في الكتابة عن الحُب، أكان ذلك قبل علاقته الغرامية بزوجته الفرنسية سوزان بريسو أم بعدها.وكانت بعض محاولاته في قرض الشعر تتناول الحُب، حيث بدأت مبكراً ولم يزل مراهقاً، ونشر بعض هذه القصائد في صحيفتي "الجريدة" و "مصر الفتاة" أواخر العقد الأول من القرن الآفل(عباس خضر، غرام الأدباء، دار المعارف، بدون تاريخ، القاهرة ص 10). أما بعد زواجه، حيث تخلى عن نظم القصيد الذي عدّه سُخفاً، فقد تحدث كثيراً عن الحُب في الصحافة ومؤلفات شتى صدرت له. وعلى سبيل المثال-لا الحصر-  نراه كيف يتندر على زمانه بأن أضحى الحديث عن الحُب في الصحافة معيباً أو ضرباً من اللهو واللغو البعيد عن الجِد، في حين لم يُنظر إليه في العصور الإسلامية:  "... هزلاً ولا دعابةً، وإنما كان جداً خالصاً لا يخلو من صرامة وحزم في كثير من الأحيان."على حده تعبيره.(طه حسين، ألوان، دار المعارف بدون تاريخ،القاهرة ص 99). وفي كتابه" من لغو الصيف وجد الشتاء" الصادر عن دار الملايين البيروتية 1987 يتحدث في ص 144 عن العشق  وأطواره وآثاره وظواهره ومظاهره، ومع أن حديثه هذا جاء على سبيل المجاز للسخرية من عشّاق سلطات الاحتلال الإنجليزي من مواطنيه في ضوء ما أبدوه من لين وتلطف معها في المفاوضات، إلا أن وصفه لضرب من العلاقات التي تسود بين المُحبين كان دقيقاً : " وربما كان ما تمتاز به علاقات الحُب أنه صلة بين طرفين أحدهما قوي دائماً والآخر ضعيف دائما ، أحدهما يدل ويتيه والآخر يُذل ويستكين، أحدهما يتحكم ويتجنى والآخر يتوسل ويتمنى، ولا سبيل غير ذلك.فلو قد اُتيح للمحبين حظ متشابه متساو من لما أمكن أن يلتقيا ولفسد أمرهما فساداً عظيماً". وللأسف فإن هذا النمط من العلاقات بين المحبين هو الشائع في عالمنا العربي، والطرف المستضعف فيه غالباً ما تكون الفتاة.  
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية