بات من الصعب أن تبيع عقلك لغيرك، سواء من المؤثرين أو المفكرين أو حتى العلماء، لطالما كانت هناك مساحة خاصة لكل فرد للتفكر والتدبر لا يمكن إغفالها، ومع ذلك كله لا نستطيع أن ننكر أن هناك الآلاف بل الملايين الذين من الممكن أن ينساقوا تجاه فكرة بعينها أو نتيجة أو حتى قصة، دون إشغال للعقل أو تفكر، والعجب كل العجب لذلك، خصوصا أنه ومع التسليم المطلق لأعلى درجات الإيمان واليقين بالنسبة لي ولعموم المسلمين لكتاب المولى عز وجل، القرآن الكريم، فقد جاء في آياته الحكيمة: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ولا أوضح من هذه الدعوة لإعمال العقل والتدبر في آيات المولى وخلقه وعظمته، وهو ما يزيدنا إيمانا.
البعض يعتقد أن التفكر في بعض الأمور قد يحيده عن طريق الصواب، فيما المولى عز وجل يدعوك لتدبر آياته وكلامه ثم التسليم بها، فلا فائدة من التسليم دون فهم، على الأقل بالنسبة لي شخصيا! ومازلت أعجب لقوم امتلكوا كل الأسرار والعلوم والبيان بين دفتي كتاب المولى عز وجل، ثم ركنوا إلى تفاسير مسلمة دون تدبر حقيقي، تفاسير تخرج من أشخاص قد يصيبوا أو يخطئوا لا فرق بين أحد فينا سوى أن رب العزة رفع البعض درجات، وذكر ذلك في كتابه المجيد (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، وأشار عز وجل إلى أن أكثرهم خشية وتسليما هم أصحاب العلم بقوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، وعليه فهي دعوة صريحة للتفكر والتدبر والدراسة، ولا يفوتني أن أذكر أن ما يجعلني أربط وبدون أي شك بين كل علوم الدنيا وما نزل في كتاب الله الحكيم، أول آيه نزلت على النبي المصطفى "اقرأ"، ولا أكثر من تلك الدلالات الجلية على ارتباط الدين بالعلم وعلو شأنه ومكانته.
ومضة
نعم نحتاج إلى القراءة، نحتاج إلى التدبر، نحتاج إلى الرجوع لمن هم أعلى منا علما، ونحتاج أكثر إلى إدراك ذواتنا وعوالمها الخفية من خلال الإبحار في كتب الدين والفقه والعلوم واللغة، فالعلم لا يتوقف عند مجال بعينه، وأجزم بأن كل كتاب وكل معلومة وكل مهنة وكل موضوع نستطيع هضمه وفهمه إذا ما قررنا أن نعطي نفسنا الفرصة لذلك! إن قررنا أن نتفكر.
كاتبة وأكاديمية بحرينية