العدد 5646
السبت 30 مارس 2024
banner
الدبلوماسية الجزائرية و"ڤيتوات واشنطن"
السبت 30 مارس 2024

على خلاف ما هو متوقع لم تستخدم واشنطن "الڤيتو" ضد قرار مجلس الأمن الأخير الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، أي وقف حرب الإبادة الإسرائيلية بحق سكان قطاع غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم، من غذاء ودواء، لكن لماذا امتنعت واشنطن عن التصويت ولم تنقض القرار بالڤيتو على خلاف المرات الثلاث السابقة منذ بدء الحرب على غزة قبل ستة شهور؟ في الواقع ثمة ثلاثة عوامل رئيسية أجبرت واشنطن على ذلك.


العامل الأول: الضغوط الشعبية الهائلة والمتمثلة في المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التي جابت المدن الأميركية منذ بدء حرب الإبادة، وبضمنها عرائض التوقيع، ومواقف الفنانين والكتاب الصحافيين وقادة الفكر والطلبة وأساتذة الجامعات، رغم كل ما مارسته السلطات الأميركية واللوبي الصهيوني المتغلغل في تلك المؤسسات من إرهاب فكري وتهديد وإجراءات فصل تعسفي بحق العديد منهم. العامل الثاني: موقف الرأي العام العالمي المناهض لحرب الإبادة، والضغوط الدولية المكثفة من قِبل العديد من دول العالم المناهضة لتلك الحرب والمناصرة لحرية الشعب الفلسطيني علنياً. العامل الثالث: الدور المحوري الكبير الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية داخل مجلس الأمن في التحضير لإصدار قرار بأفضل الصيغ الممكنة التي تمنع إبادة الشعب الفلسطيني وتسمح بدخول المساعدات الغذائية والطبية، بما يخدم القضية الفلسطينية - قضية العرب المركزية - بأفضل ما يمكن في ظل البيئة السياسية الدولية الملموسة الراهنة ودائمة التغير. ننوّه هنا بأن الجزائر سبق أن بذلت قصارى جهودها لتمرير مشروع قرار قامت بالتحضير له تحضيراً رائعاً، ثم توزيعه على أعضاء مجلس الأمن، وهذا المشروع يستند إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر أواخر يناير الماضي، كما يجدد المشروع رفض التهجير القسري لسكان غزة، وبضمنهم الأطفال باعتبار هذا العمل يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي السائد، لكن مشروع القرار المتوازن لم ير النور للأسف، حيث أجهضته الولايات المتحدة باستخدام "الفيتو".


ولعل من حسن طالع العرب أن وقع على عاتق الجزائر أن تتحمل مسؤوليتها القومية في تمثيل القضية الفلسطينية داخل مجلس الأمن، والذي تتحكم في قراراته الدول الخمس صاحبة حق "الفيتو"، وذلك بعد أن جرى اختيارها في يناير الماضي كواحدة من الدول العشر غير دائمة العضوية، وحدث هذا في وقت من أكثر الأوقات حساسية وخطورة التي تمر بها القضية الفلسطينية ويتعرض شعبها إلى مخاطر الإبادة على يد إسرائيل، كما اعترفت بذلك الوكالات الإنسانية، ناهيك عن محكمة العدل الدولية وكثرة من دول العالم. وما يُحسب للجزائر أنها خاضت في هذه الفترة القصيرة معركة دبلوماسية حامية الوطيس في أروقة المجلس. ولم يكن القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن والذي أثار حنق إسرائيل ضد واشنطن، لامتناعها عن استخدام الفيتو ضد القرار، إلا ثمرة جهد كبير بذلته الدبلوماسية الجزائرية داخل مجلس الأمن بالتنسيق مع بقية الأعضاء غير الدائمين فيه. ومع أن هذا القرار الملزم - كما يُفترض - إلا أن إسرائيل أمعنت بالاستخفاف متحدية الشرعية الدولية، ومتوعدة بالاستمرار في حربها الإبادية على أهالي القطاع، على أن ميزة القرار على الأقل أن من شأنه أن يفاقم من السخط العالمي عليها لإمعانها في استمرار حربها الوحشية ويضاعف عزلتها الدولية، وهو ما له من عواقب وخيمة على إسرائيل في المستقبل القريب بما يصب حتماً لصالح القضية الفلسطينية.

كاتب بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية