تبدو ملامحها جلية وأوصافها متعددة في تخطي العقبات ومواجهة التحديات وذوبان النّدم والانزعاج من الرفض والسعي وراء تحقيق الأحلام والتركيز على الأهداف والدّراية بالطموحات واغتنام الفرص - الصعبة أو المستحيلة – وتعزيز الثقة بالنفس ورؤية العالم المختلف والأكثر إشراقا.. تلك هي الشجاعة والبسالة التي تختار مواجهة الألم المؤذي للجسد، وحُسن التّصرف المُحبط للخُلُق والمُوصِل إلى فضيلة الصبر عند المكاره والمهالك، ورباطة الجأش حين المصابرة والمكابدة في مقاومتها لمُغريات اللّذة ومُغالبة بواعث الألم بقوة الشكيمة ومُرتكز الجسارة ومَبعث العزيمة المُتلازم للقوة الغضبية والإرادة العاقلة في منعطفات الحياة المُعاشة وموانع التحولات المُحيطة. من المُثير للذهول حقاً حين تتوسط هذه الصفة – صفة الشجاعة - بالعدل بين رذيلتي الجُبن والتهور، وبين المغامرة والمقامرة، وبين الإفراط والتفريط. ثمّ ما أدهاها – أي صفة الشجاعة - حين ترتبط بالثقة والخشية، وبين العزيمة والرهبة وبين الإقدام والتراجع، وسط توالي الأحداث التليدة التي يصنعها صاحب هذه الصفة - وهو صائم لَمْ يَهُنْهُ الجوع أو يُنْهكه العطش – في ميدان الحياة المُتصارع وكأنّه الملاكم الذي يتحمّل اللّكمات على أمل الفوز بالتاج اللّماع بعلو الهمّة وعِظمِ السخاء وبالغ اللّبابة وقتما يثورعلى الجُبن ويُغالب التّوجس ويُواجه المصاعب ويتحمّل المسؤوليات ويصنع المُشتركات ويتجنّب المختلفات في محطات خالدة ومواقف عظيمة، كحالِ شخصية هذا الشهر الفضيل التي أظهرت إيمانها القوي وألهمت بخلقها السامي الدفاع عن بيضة الإسلام في مواقف عديدة.

نافلة:
يروي أهل السّير والتاريخ والتراجم في مصنّفاتهم، أنّ عمرو بن عبد ودّ العامريّ خرج في معركة الخندق للمبارزة، ولم يُجبه أحدٌ من المسلمين - بعد أنْ كرّرها ثلاثاً - إلا علياً، فيما النبيّ (ص) يُخاطبه: إنّه عمرو يا علي، فطال نداء عمرو بطلب المبارزة إلى أنْ أرخص له النبيّ (ص) بقوله: يا علي امضِ لشأنك حتى قال مقولته التي عمّت الأرجاء: "برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه". وما هي إلا سُويعات حتى صدح صوت علي بالتكبير؛ إشارةً إلى انهزام الشرك وانتصار الإسلام على يد أسدٍ من أُسُود الدّين وسيّدٍ من سَاداتِ المُجاهِدِين وخليفة المسلمين الرابع الإمام علي بن أبي طالب (ع).. فسَّلامٌ عَلَيكَ يا أبا الحسن يوم وُلِدْتَ مُباركاً في جوف كعبة المُلّبين، وسلامٌ عليك يوم استُشهِدتَ مغدُوراً في محراب الصائمين، وسلامٌ عليك يوم تُبعث حَيًّا بين يدي ربّ الخلائق أجمعين.

كاتب وأكاديمي بحريني