العدد 5623
الخميس 07 مارس 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
دبلوماسية اللامبالاة.. رخصة للقتل!
الخميس 07 مارس 2024

ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة فاق في حجمه ونوعيته كل المآسي التي تعرضت لها الشعوب خلال الحروب المعاصرة، فحتى الجيوش النازية لم تطلق النار على جموع الجائعين لحظة انتظارهم توزيع المعونات الإغاثية، فما يحدث حاليا تعبير عن التوحش الأكثر تدميرا للإنسان، والأكثر إذلالا لإنسانيته وكرامته ووجوده. ما رأيناه كان صورة مفزعة من صور النزول نحو الجحيم، هؤلاء الجوعى من النساء والأطفال والعجائز في انتظار لحظة إغاثة عندما أطلق عليهم جنود الاحتلال النار بدم بارد. ومهما قدم الناطقون باسم الاحتلال من تبريرات، فلا أحد تقريبا يمكن أن يقبل هذه الرواية حول هذه الوحشية غير المسبوقة والقتل المرضي والتعذيب السادي والتقاط الصور مع المباني المهدمة، ومنع دخول الماء والأدوية والطعام، وتهديم المستشفيات وإخراج المرضى منها ووصفهم بالحيوانات. لا أحد يكاد يفهم حجم هذه الوحشية إلا بالعودة إلى عصر الرمح والنشاب، عصر ما قبل القانون والدولة وحقوق الإنسان وقوانين الحرب: لا احترام للإنسان حتى في ميتته. لقد تجاوز الاحتلال الممارسات الاستعمارية القديمة والحديثة، ولم تعد للحريات والحقوق، بما في ذلك الحق في الحياة والدفاع عن النفس في مواجهة المستعمرين والمستوطنين والحفاظ على حرمة المسكن، أية قيمة أو أهمية في هجمة التوحش هذه، فعندما يتحرك جيش الاحتلال يبدأ الاحتقار والتجويع والترحيل والإبادة لكل ما هو حي: كل شيء مباح على الطريقة الإسرائيلية. صور التوحش تستكمل بقية مشاهد الدراما الفلسطينية منذ نكبة 1948م وملحقاتها من التعذيب والامتهان للكرامة والحقوق والمبادئ التي كافحت البشرية من أجلها على امتداد القرون الماضية. في مواجهة هذه الوحشية غير المسبوقة تبدو الدبلوماسية العالمية - في اتجاهها الأعم - غير مبالية بما يحدث وكأنها تشاهد فيلم رعب للتسلية، بما يعني منح المحتل رخصة للاستمرار في القتل، والأكثر من ذلك الدعم المعلن من دول كبرى عديدة، توصف بأنها ديمقراطية وحرة، لهذه الوحشية، هو نفي لمفهوم الإنسان والحياة نفسها، في حين أن المطلوب هو الإيقاف الفوري لهذه الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وبأي ثمن، وإلا فإن هؤلاء يدعمون الإبادة بشكل أو بآخر، لن يستطيعوا في المستقبل أن ينظروا إلى صورهم في المرآة.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية