العدد 5603
الجمعة 16 فبراير 2024
banner
مبدأ الملكية الفكرية (3/3)
الجمعة 16 فبراير 2024

بعد أن ذكرنا مفهوم ومعنى الملكية الفكرية وأهمية تسجيلها لحفظ الحقوق، نشير إلى أن هناك منازعات عديدة حول هذه الحقوق أمام المحاكم القضائية في كافة الدول، وهي قضايا مكلفة وتحتاج لتجربة خاصة ومعرفة تراكمية في الحقوق المتنازع عليها وفهم كنهها. وكمثال نذكر حقوق المؤشرات الجغرافية والمنازعات، مثلا بين فرنسا وهولندا وبلجيكا وسويسرا حول الأصل المحلي لبعض الأجبان أو بعض الشوكولاتة أو النبيذ وخلافه، وكل دولة تقول إنها الأصل الجغرافي. وللعلم هناك منازعات حادة جدا أمام مركز التحكيم والوساطة التابع للمنظمة الدولية للملكية الفكرية بجنيف، وهذا المركز مؤهل فنيا ولديه تجارب عديدة حسب إجراءاته ولوائحه ومن يقوم بالتحكيم والوساطة فيه، ويعتبر هذا المركز سندا أساسيا ودعامة كبيرة لحماية حقوق الملكية الفكرية على مستوى العالم. ونقول، إن وجود المنازعات حول هذه الحقوق على المستويين العالمي والمحلي يبين الاهتمام الكبير بهذه الحقوق والمطالبة بها كإضافة مادية كبيرة لمالكها ومن يتبعه من شركاء أو ورثة لهذه الحقوق الجميلة والنافعة من الفكر البشري والإنتاج الذهني النابغ.
وفي عصرنا الحاضر، عصر الثورة التقنية المتطورة، هناك إنتاج فكري ضخم في مجالات التقنية، وفي كل يوم بل وفي كل لحظة تظهر تقنية جديدة ومفيدة وذات مردود مادي كبير على المنتج وينتفل أثر هذا الإنتاج لفائدة كل البشرية حتى الثريا عبر الأثير. 
وظهر الإنترنت والانترانت ورسائل الايميل وظهرت تطبيقات السوشال ميديا من واتساب واكس - ايلون ماسك “تويتر” وفيسبوك ولنكدان وتيك توك ويوتيوب والانستغرام وغيرها حتى ضجيج الذكاء الاصطناعي. وكل هذا نتاج فكر بشري متطور ومليء بالنبوغ والعمق الفكري والذهني الذكي. وكل هذه المنتجات والتطبيقات الذكية تحتاج للحماية والدعم القانوني واللوجيستي؛ حتى تتطور هذه التقنيات الذكية ومعها نتطور ويتطور العالم في شتى ضروب المعرفة والعلم والفنون والاجتماعيات بل وفي كل المجالات المتوقعة وغير المتوقعة.
والسؤال هنا، هل ما يتم عبر هذه الأفكار التقنية يعتبر من حقوق الملكية الفكرية وهل يحتاج للحماية القانونية مثل المنتجات الفكرية الأخرى غير المرتبطة بالتقنية الذكية؟

والإجابة نعم؛ لأن هذه المنتجات التقنية الذكية نتاج فكر ذهني بشري يحتاج للحماية لصالح مالكها الحقيقي دون غيره. ويجب على أصحاب هذه الحقوق تسجيلها وفق القانون للحصول على البراءة لصالحهم ليتمكنوا من تحويل هذا الإنتاج الفكري لمادة يستفيدون منها، وفعلا تم جني ملايين الملايين من الدولارات وأصبحوا في قائمة أثرياء العالم. وهكذا العقول المنتجة تعود بالخير لأصحابها. 
ولتقنيين الأعمال التقنية، قامت هيئة الأمم المتحدة بإنشاء لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي وتسمى جوازا “يونيسترال”، وهذه اللجنة المهمة قامت بوضع الأسس القانونية للتعامل مع منتجات التقنية وذلك بوضع “نظرية التعامل المثلي” وهذه النظرية المهمة في تاريخ التطور التشريعي، مكنت العالم من الاستفادة من التقنية، وذلك بمعاملة المنتجات التقنية مثل المعاملات التقليدية التي تتم يدويا. وفي هذا الخصوص قامت لجنة يونيسترال بوضع قانون نموذجي للمعاملات الإلكترونية وطلبت من الدول الاستفادة من هذا القانون النموذجي وإصدار قوانينها الوطنية للمعاملات الإلكترونية.
وفعليا، قامت كل الدول بإصدار “قانون المعاملات الإلكترونية” ووفق هذا القانون تم منح المنتجات الإلكترونية الوضع المماثل “مثل” للمنتجات التقليدية مما جعل المنتجات التقنية ملموسة وعلى الواقع ومن هذا تستفيد منتجات التقنية الذكية ويتم تسجيلها بنفس الطريقة التي يتم بها تسجيل المنتجات اليدوية غير التقنية. وهكذا كسر قانون يونيسترال الحاجز بين التقنية وبين ما هو غير تقني، ويمكن الاستفادة من هذا وذاك لصالح الجميع.
وفي نفس الإطار، تم إصدار قانون الجرائم الإلكترونية “الجرائم السبرانية” لمعاقبة كل من يرتكب أي مخالفة للمعاملات التقنية. وبهذا تكتمل الدائرة القانونية لغطاء التقنية الذكية.
وكل هذه الجهود التشريعية منحت أصحاب الملكية الفكرية الحق من الاستفادة مما ينتجه فكرهم وبما يعود بالفائدة لهم ولكل المجتمع البشري. ومن هذا الوضع أخذت الملكية الفكرية وضعها المتميز مما مكنها من الإبداع في شتى ضروب المعرفة الذهنية والجميع مستفيد، من الملكية الفكرية التي غيرت مفهوم الحياة وجعلت كل الأفكار تشتغل وتنتج لإبداع حياتنا.
وكل عقل به فكر متدفق يفتح الأبواب لتقلنا إلى اللا محدود..

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية