العدد 5599
الإثنين 12 فبراير 2024
banner
مستقبل الأونروا وإعادة الإعمار
الإثنين 12 فبراير 2024


في مقال إسبين بارث أيدي، وزير خارجية النرويج، المنشور في "الشرق الأوسط" الأربعاء الماضي، وصف وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بأنها "شريان الحياة" لهؤلاء اللاجئين منذ نكبة 1948، ومع أن هذه الوكالة الدولية التي أُنشئت غداة النكبة توفر الدعم للخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين الذين فروا للبنان والأردن وسوريا والضفة والذين يبلغ عددهم اليوم 5 ملايين، من تعليم وملاجئ وبنية تحتية ومساعدات طارئة، فإنه تلقى على كاهلها مهمات ومسؤوليات إنسانية في منتهى الأهمية في ظل الوضع الكارثي الناشئ في القطاع والذي يتضاعف كارثية يوماً إثر يوم، منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في أوائل أكتوبر الماضي التي ما فتئت متواصلة على سكانه، لا بل إن الوضع ينذر بكارثة أشد هولاً مع إعلان إسرائيل أن 12 موظفاً في الأونروا شاركوا في هجوم "يوم الطوفان" ومن ثم إقدام 15 دولة غربية مانحة بوقف دعمها للوكالة على الفور، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وإيطاليا وأستراليا. وحينما وصف وزير خارجية النرويج أيدي هذا القرار جاء في التوقيت الخاطئ، لم يكن القصف الإسرائيلي لمدينة رفح التي يتكدس فيها مليون ونيف لاجئ قد بدأ توطئةً لاجتياحها وتشريد من لجأوا إليها بفعل حرب الإبادة، ولنا أن نتخيل حجم الكارثة الذي سيكون أضعافاً مضاعفة إذا ما مضت إسرائيل قُدما في تنفيذ مخططها الجهنمي الجديد.
النرويج هي واحدة من الدول الغربية المانحة للأونروا وتبلغ مساهمتها 45 مليون دولار، ومع أنها من الدول الغربية المؤسسة لحلف "الناتو" إلا أن رفضها وقف دعمها للأونروا يستحق الإشادة والتقدير، لا بل إن وزير خارجيتها أيدي حض حلفاء بلاده على التراجع عن قرارهم المخزي والتفكير ملياً في عواقبه المدمرة، ووصف تحميل الوكالة برمتها التي يعمل فيها 30 ألف موظف في القطاع مسؤولية 12 موظفاً منهم يُزعم أنهم شاركوا في هجوم "الطوفان" بأنه أشبه بحل قسم شرطة ارتكب بعض أعضائه جريمة بدلاً من محاسبة مرتكبي الجريمة فقط ليستمر القسم في تأدية أعماله. وبات واضحاً أن إسرائيل نسقت مسبقاً مع الدول الغربية في توقيت إعلان اتهامها لموظفي الأونروا الاثني عشر بُعيد سويعات من قرار محكمة العدل الدولية التي اتهمتها بارتكاب جرائم حرب قد تُوصف بأنها ذات إبادة جماعية في القطاع. وإذ جاء اتهام إسرائيل لأولئك الموظفين مشبوها في توقيته بعد مضي أكثر من ثلاثة شهور من عدوانها، فإن أيدي شدّد على الحاجة لأن تكون المساءلة والتحقيق في هذه القضية شفافاً ونزيهاً.
أما المسألة الثانية وثيقة الصلة بعمل الأونروا ومستقبلها فتتمثل في إعادة إعمار قطاع غزة بعد وقف الحرب، والتي لا يُعرف متى ستخضع إسرائيل للمطالبات الدولية بوقفها، ذلك أنه عدا المصاعب الجمة التي ستواجهها الأونروا بعد قرار تلك الدول المانحة وقف دعمها، فإنه لا معنى لعمل الوكالة في ظل المستقبل الغامض المجهول لإعادة إعمار القطاع وإعادة أكثر من مليون من سكانه المهجّرين إلى مناطقهم. وبسبب الدمار الهائل غير المسبوق الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي بمدن القطاع، فإن مسألة الإعمار هذه المرة ستكون الأعلى تكلفة في تاريخ اعتداءات إسرائيل بأرقام فلكية غير مسبوقة. ومع أنه من المستبعد أن تستعيد حماس قوتها العسكرية التي أُنهكت بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع، فإن من المشكوك فيه أن تكون الدول العربية الميسورة التي تساهم عادة في إعادة الإعمار مستعدة أو قادرة على الإيفاء بالحد الأدنى بمتطلبات الإعمار لضخامة التمويل المطلوب.
ومن هنا تبرز الحاجة الماسة بأن تضغط هذه الدول ومعها سائر الدول العربية على المجتمع الدولي ومؤسساته المعنية لتحميل إسرائيل مسؤوليتها في إعادة إعمار القطاع.

كاتب بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .