هرج ومرج، تباه وتعال، ذلك الذي يستمتع بشق الرحى أو شق الأنفس، لا يشكر الناس لأنه عادة لا يشكر الله، لا يفهم في العيب مثلما يقبل بتقليده، ولا يتألم عند المكاره رغم أن دموعه أقرب من حبل الوريد، سألته: هل تحب خالقك؟ لم يجب، لكنه تحرك باتجاه غير معلوم، بالتحديد ناحية الصوت، سألته: هل تكره خالقك؟ رد بسرعة: لم أفهم السؤال، قلت: أحمدك يا رب. أخيرًا سكت الروبوت دهرًا ونطق بالتي هي أحسن، هو نفسه ذلك البروفيسور الذي باغت المشاركين في مؤتمر علمي، قال للحضور سوف أقص عليكم أحسن القصص، سوف ألقي كلمة الافتتاح بعد سهرة طويلة مع الاقتباس.
لم أفهم ما الذي يريد أن يبلغنا به سيدي البروفيسور، انتظرنا دقيقة.. اثنتين.. طال الانتظار، تسلل إلينا القلق، فإذا بالرجل يخرج عن صمته مباغتًا الحضور بكلمة افتتاحية تناسب الحدث وترتقي إلى قضاياه، إلى التعليم والتعلم، إلى الإنسان والآخر الافتراضي، إلى التقنية وعلوم التمايز عن عموم الناس. قال لنا البروفيسور: هذه الكلمة أهداها له سيدنا الـ “شات جي بي تي”، فقط أبلغه الرجل بما يريد فإذا بالذكاء الاصطناعي يسعفه بكلمة على مقاس الحدث، بل وعلى شاكلة الذين يحاولون إثبات أن الإنسان لم يعد له مكان في الإعلام أو علم الكتابة أو الفن التشكيلي أو الأدب – أي أن الإنسان أصبح لا قيمة له في هذا العالم وعليه البحث عن عالم آخر في كواكب أخرى.
ألقى البروفيسور كلمة عادية جدًّا لقنها إياه الـ “شات جي بي تي”، فإذا بنا نجده مفتخرًا بأنه تمكن من محاكاة التقنية قبل الحدث التكنولوجي بأربعة وعشرين ساعة، نزل الرجل من فوق المنصة وقد تعجبت من أن الجامعة المنظمة للمؤتمر لم تحاسبه، بل ولم تسأله لماذا استغنى عن عقله، واعتمد في كلمته على غيره؟ لماذا رئيسه المباشر لم يوقفه أو يعاقبه على فعلته؟ لكن.. لماذا يتم إيقاف البروفيسور؟ ولماذا ينبغي إقامة حدود اللياقة والعقاب عليه؟ السبب بسيط، ويكمن في مجموعة من الأخطاء التي وقع فيها سيدنا، أولًا: أنه جاء متفاخرًا منتشيًا بأنه تمكن بقدرة قادر من استنطاق تقنية الـ “شات جي بي تي” وهي تقنية مهمة في توفير المعلومات الأرشيفية عن الأحداث، واختصار الوقت والمجهود في البحث والتقصي والتحري عن المعلومات. ثانيًا: أنه استخدم التقنية في التحريض على التزوير والإحلال والاستبدال وانتحال الشخصيات الكاتبة، ما يشوه الهدف المنشود من التقنية. ثالثًا: أن البروفيسور بهذا الفعل يشجع الطلبة على الغش باستخدام التقنية.
أخيرًا: إن الذكاء الاصطناعي جاء لكي نستخدمه ولا يستخدمنا، هو في النهاية من صنع الإنسان ينفذ تعليماته ويأتمر بأمره، وليس العكس.
*كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية