العدد 6107
الجمعة 04 يوليو 2025
banner
البيانات والذكاء الاصطناعي في خدمة التوازن بين الجنسين: من البرلمانات إلى المنصات الرقمية
الجمعة 04 يوليو 2025

في الثلاثين من يونيو من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للعمل البرلماني، وهو مناسبة تستحق الوقوف عندها، ليس فقط لتقدير دور البرلمانات في صنع القرار، بل أيضًا لإعادة التفكير في كيفية دعم هذه المؤسسات للتوازن بين الجنسين في ظل التحديات المتزايدة والفرص الرقمية المتاحة.

في هذا العام، تحتفل هذه المناسبة بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لإعلان بيجين وخطة عمله، وهي الوثيقة التي ما زالت تشكل حجر الزاوية في الدفع نحو المساواة بين الجنسين. ولعل حملة الاتحاد البرلماني الدولي “تحقيق المساواة بين الجنسين... خطوة بخطوة” تأتي كتأكيد على أن العمل البرلماني يجب أن يكون سبّاقًا في ترسيخ مفاهيم الإنصاف والتمكين.

أين يأتي دورنا نحن النساء في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي؟
بينما تُسلط الجهود التقليدية الضوء على الحصص (الكوتا) وتمثيل المرأة في السياسة، فإن الفرصة الحقيقية اليوم تكمن في التمكين الرقمي، ودمج التقنيات الحديثة في صنع السياسات والتشريعات التي تضمن العدالة والمساواة.

من خلال عملي كخبيرة في البيانات والحلول الرقمية، أجد أن هناك ثلاث مساحات حيوية يمكن أن نُحدث فيها فارقًا ملموسًا:

1: تحليل البيانات لكشف فجوات التوازن
البيانات لا تكذب. تحليل تمثيل النساء في المؤسسات العامة، التغطية الإعلامية، فرص التمويل، وبيئة العمل التقنية، يمكن أن يكشف الكثير من أوجه القصور التي تغيب عن النقاش العام. البرلمانات يمكنها اعتماد لوحات معلومات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد تقدم التوازن بين الجنسين بشكل مستمر.

2: الذكاء الاصطناعي كأداة لمحاربة التمييز الخفي
الخوارزميات المتحيزة قد تعيد إنتاج التمييز – لكن حين يتم توجيهها بطريقة أخلاقية، يمكنها كشف هذا التحيز أيضًا. يجب على البرلمانات والمؤسسات الرقابية أن تطور أطرًا تشريعية تُلزم المنصات الرقمية ومقدمي الخدمات الذكية بمراجعة خوارزمياتهم من منظور النوع الاجتماعي. 

3: بناء ثقافة رقمية مرنة وحساسة للنوع الاجتماعي
لا يمكن أن يكون التحول الرقمي عادلًا إن لم يكن شاملًا. تدريب النساء في المجالات التقنية، وتوفير بيئات عمل خالية من التحرش، ودعم السياسات التي توازن بين العمل والأسرة، يجب أن يُترجم إلى أنظمة رقمية تعكس هذه القيم من تصميمها الأساس.

أفكار واقعية للتطبيق:
•    بناء قاعدة بيانات وطنية مفتوحة حول مشاركة المرأة في جميع القطاعات، قابلة للتحليل بالذكاء الاصطناعي.
•    تطوير برمجيات تقييم داخل البرلمانات لرصد مدى حساسية التشريعات للنوع الاجتماعي.
•    إدماج النساء المتخصصات في البيانات والذكاء الاصطناعي في لجان مراجعة التشريعات الرقمية.

ختامًا – منجزات مملكة البحرين في دعم المساواة الرقمية
لقد سجلت مملكة البحرين خطوات متقدمة في تعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي:
•    أسّست المجلس الأعلى للمرأة الذي يرصد، يبني القدرات، ويوفّر الدعم المالي والقانوني للمرأة في القيادة والمجال الرقمي.
•    حصدت المرتبة الأولى عالميًّا في تدريب مهارات المرأة الرقمية وSTEM ضمن تقارير شاملة من “Meta & Economist.
•    سجّلت تقدمًا ملحوظًا في مؤشرات عالمية: تقدمت 12 مرتبة لتحتل المركز الـ104 عالميًّا واحتلت المركز الثاني خليجيًّا في تقرير الفجوة بين الجنسين 2025 
•    بلغت نسبة المرأة من خريجات STEM نحو 42 %، وتمثلت في نحو 30 % من القوى العاملة في تقنية المعلومات، كما بلغت نسبة النساء المؤسِسات للشركات الناشئة نحو 20 % في بيئة تقنية ناشئة.
•    دعمت مبادرات نموذجية مثل: “الهاكاثون النسائي البحريني”، وأكاديمية الذكاء الاصطناعي” بالشراكة بين تمكين وبوليتكنك البحرين، وبرنامج التنمية التقنية” الذي انعكس على تمثيل النساء بنسبة 75% بين المتدربين.
•    ووفق المنتدى الاقتصادي العالمي، تقود البحرين نموذجًا متقدمًا لجسر فجوة المهارات بين الجنسين من خلال برنامج “Accelerator” مختلط تركّز فيه على المهارات الرقمية والتقنية للجميع.

كل هذه المبادرات تشكّل أرضية قوية لتعزيز مساهمة المرأة في تصميم سياسات رقمية عادلة وغير متحيّزة، وتسريع دمجنا كنساء ومختصات بالبيانات والذكاء الاصطناعي  في مسيرة بناء مجتمع واقتصاد أكثر إنصافًا وإنتاجية مستقبلية.

الاحتفاء بيوم العمل البرلماني ليس مجرد وقفة احتفالية، بل هو دعوة لكل من تعمل في مجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتكون فاعلة في صناعة التوازن، ليس فقط في البرلمانات، بل في كل سطر من الشيفرة البرمجية، وكل جدول بيانات، وكل خوارزمية تصنيف. فالتمكين الرقمي الحقيقي يبدأ منّا.

 

*مدير النظم والحلول الرقمية بمجلس الشورى
خبير استشاري في التحول الرقمي البرلماني وحوكمة الذكاء الاصطناعي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .