العدد 5598
الأحد 11 فبراير 2024
banner
عبدالله السعداوي... الوفاء الذي تأخر كثيرا
الأحد 11 فبراير 2024

نوهت قبل سنوات عن ظاهرة غريبة في مجتمعاتنا أصبحت حكاية على فم التاريخ، وهي تكريم الأدباء والفنانين بعد موتهم، فما إن يغيب الأديب أو الفنان حتى تخصص معظم الصحف مساحة له، وتقام المهرجانات، وينبت النعي في كل مكان، وتنتشر القصاصات المضاعفة، فالكل يريد مفتاح الدخول ليقوم بالواجب المتأخر!
حتى الطبيعة نفسها تأثرت بهذه الرواية التراجيدية وملاحم نسيان الفنان البحريني على أرض الواقع. يمر قطار الحياة وهو يجلس فيه وحيدا، لكن عندما يمر قطار الموت تكون الأضواء لاهثة وراءه، هذا ينعى وذاك يستذكر والبعض يكتب الأشعار.
عاش الفنان عبدالله السعداوي، رحمه الله، مبدعا عظيما وسهر آلاف الأيام والليالي من أجل المسرح ومن أجل تربية جيل من الفنانين الشباب الذين صعدوا قمة الشهرة اليوم مثل الصارية، ورسموا مسارهم بسرعة كبيرة بفضل تأثرهم به. سنوات طويلة حرم نفسه من مروج السعادة والفرح ملقيا معطفه الأسود على كتفه ومنحنيا بخشوع أمام هيبة المسرح الذي كان يعتبره شجرة الفردوس، والشمعدان المشع بالأمل. كان رجلا متعبا وبحاجة إلى سلام، ومع ذلك سار فوق الجليد الذي يذوب خلال النهار ويعود متجمدا أثناء الليل. كانت عنده روح عاشقة للمسرح ويسير في الاتجاه المعاكس للبشرية، لم يجد أمامه سوى الخشبة والكتب وسرابه الأخير في مسرح الصواري المكان الذي يعتبره موانئ الرؤى والتواصل وبداية الطقوس وآخرها.
وبعد أن غاب في ظلمات الوحشة، يتغير الكون وتتغير اللغة وتقوم الجهة الفلانية بنعيه واستذكاره والإشادة بإبداعه لتختلط الظلمة بالنهار ونسأل أنفسنا في الصباح والمساء عن موسم الوفاء الذي تأخر كثيرا وكثيرا.. لماذا في الجزء الأخير من الرحلة تشتد المرثية وتصيح الحناجر وتنثر الريح الذكريات.
يا صديقي القديم عبدالله السعداوي.. لعل الغد سيكون أفضل وننسى هذا الجرح الممتد.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .