العدد 5564
الإثنين 08 يناير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
هل دور التعليم العالي خدمة سوق العمل فقط؟
الإثنين 08 يناير 2024

عند الحديث عن التعليم العالي وفي مختلف بلدان العالم مراجعته وإصلاحه، غالبا ما يجري التركيز على علاقته المباشرة بسوق العمل، إلى درجة الاعتقاد بعدم أهمية هذا التعليم مطلقا من دون ارتباطه المباشر بالسوق، وحصر أهدافه في ذلك. وغالبا ما يفضي هذا الاعتقاد إلى الدعوة إلى إعادة توجيه التعليم العالي برمته ليكون خادماً وبصفة آلية ومباشرة للسوق. حتى أن أي إصلاح بات يوجب التقريب بينهما بالضرورة، ويقود هذا الاستنتاج إلى وجوب إعادة تخطيط التعليم والتدريب وفق نسق يخدم سوق العمل بالدرجة الأولى. 
ومع الإقرار بالعلاقة بين الجانبين، إلا أنها لا تنحسر ولا يحب أن تنحسر في خدمة التعليم العالي للسوق. وذلك لأن الآفاق التي يريد المجتمع من الشباب أن يرتادها تتجاوز ذلك إلى التحصيل المعرفي في حد ذاته واكتساب المهارات الحياتية والفنية والمعلوماتية، وامتلاك القدرة على الاندماج في الحياة العامة وخدمة المجتمع والمشاركة في حل مشكلاته ومواجهة تحدياته واكتساب القيم الروحية والوطنية والإنسانية والانفتاح على الأفق الإنساني والنجاح في كل ذلك. وهي أهداف حيوية لا تقل أهمية عن خدمة سوق العمل. لأنها ترتبط بتأصيل الكيان الوطني للطالب كنموذج إنساني للتفكير العلمي والعقلاني السليم، وكنموذج للتعايش والتسامح بما يعزز نضجه الفكري والمعرفي والذاتي. 
كما أن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية أسفرت ظهور نظام اقتصادي جديد يقوم على المعرفة والذّكاء والمهارات العالية والإبداع والتجديد، ولذلك لا يمكن أن يبقى التّعليم العالي بمعزل عن هذه التّحوّلات. فكثيرةٌ هي المهارات والمعارف التي كانت الجامعات تُؤمّنها في الماضي أصبحت اليوم محلّ مراجعة. وكثيرةٌ هي الاختصاصات الجديدة والمهن الواعدة التي أصبحت تتطلّب جهدا لتبنيها. كما أنّ انهيار الحدود الجغرافية بفعل الثورة التكنولوجية، قد أدّى إلى حركة دوليّة نشطة في سوق العمل العالمي وفي سوق المعرفة أيضا، ممّا يفرض على الجامعات أن تضع ذلك في اعتبارها. إضافة إلى ضرورة العمل على انصهار الشهادات الجامعيّة ضمن منظومة علميّة عالمية أوسع معترف بها دوليًّا، وأن تواكب التّحوّلات ليكون لها دور في بناء الكفاءات العلمية، وإنتاج المعرفة وخلق فرص الإبداع.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية