العدد 5557
الإثنين 01 يناير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
في وداع عام كئيب!
الإثنين 01 يناير 2024

النسر
نحتفل اليوم بحلول عام جديد من دون فرح أو أمنيات أو نجوم. عيوننا شاخصة حيث الألم اليومي هناك. حيث ترفع الأصوات فوق رنين الأجراس فوق أهلة القباب والبسمات المعفرة بالتراب ودخان القذائف الذكية والغبية.. تسافر فوق غربة السفن الراحلة كل صباح. فقد “أصبح السفح ملعبا للنسور”، أضعنا أوراقنا، تبدد صراخنا، رهنا بوارق الأمل في الكلمات. تحاصرنا الأجنحة عبر أرقام تائهة، خريف أعمارنا، بقايا حياة، لحظات مغادرة، مثل ذاك العام الكئيب الراحل للتو، صفق النسر بجناحيه منحدرا إلى السفح، “إن للجرح صيحة” توقف الأرض عن دورانها اللاهث، وندرك اليوم أن الأرض بنا تدور، وكل الطرق تفضي إلى ساحل مهجور.
من يناير إلى يناير
كل صباح تقف أمام المرآة، تفرك ذقنك بالماء والصابون، تجري الفرشاة ذهابًا وإيابًا، تتكثف الرغوة، ترتفع سمكًا، يختفي الشارب، ثقبا أنفك، ثم الشفتان.. شحمتا الأذنين تختفيان، يتحول الوجه إلى عينين فقط.. يستهويك المشهد. القناع الأبيض على الوجه.. تحملق في عينيك باحثًا عن معنى فلا تعثر على شيء، تعيد الكرة من دون جدوى، تبحث عن تضاريس متخفية وراء الرغوة، تجري الموس من الأعلى، قرب الأذين والوريد، نزولًا عند الذقن والشفتين، فلا تلمح سوى تجاعيدها الزاحفة.. تكتشف - ربما لآخر مرة - أن الأيام انفلتت من تحت الرغوة دون أن تدري بالرغم من تكرار الفعل. ترفع الموس من الأسفل عند الحنجرة، إلى الأعلى عند الشفة السفلى، تكتشف مساحة عريضة من البياض، وسؤالا حائرا على الشفتين يقول: ثم ماذا؟ هذا عام آخر ينقضي.. هذا عام آخر يعود.. ثم ماذا لا شيء تقريبًا إلا مزيدًا من البياض وأوجاع السؤال الحائر: ثم ماذا؟ عام جديد يتقدم متثاقلًا ورغوة الصابون تغطي ثلثي الوجه، تبحث عن جواب. عام يغادر غير مأسوف عليه ونحن ننقل الخطو عبر الطريق الطويل، وننقل الحذاء من هذه اليد إلى اليد الأخرى في رحلة لا تنتهي. نبحث في أكوام الورق بلا جدوى.. عام مضى منفلتا من بين الأصابع كالماء لا يتوقف. ومع ذلك سنرد التحية بمثلها ببرود معهود: “كل عام وأنتم بخير”!
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .