العدد 5549
الأحد 24 ديسمبر 2023
banner
حديث مع “غزاوية”
الأحد 24 ديسمبر 2023

قبل أيام، وبينما كنت أستعد لدفع فاتورة المشتريات بأحد المتاجر الكبيرة، التفتُ بشكل عفوي، فرأيت خلفي سيدة فاضلة طاعنة بالسن على كتفها الكوفية الفلسطينية الشهيرة، وخلفها يقف شاب يبدو وكأنه ابنها إن لم أكن مخطئا، وأمامه “ترولي” المشتريات الخاص بهما.
ابتسمت لها، وقلت “تفضلي”، ثم سارعت لأن أفسح لها المكان لكي تتقدم، قبل أن أواصل حديثي قائلا “هذي علشان الكوفية الفلسطينية اللي على كتفك”؛ ظنا مني أنها بحرينية، لكني فوجئت بها وهي ترد على بلهجة فلسطينية “مبقاش حد من عيالنا، قتلوهم كلهم”.
وواصلت حديثها، وعرفت منه أنها من غزة، وسط صمت الشاب المرافق لها قائلة “75 سنة وهم ينكلون فينا، ويقتلون أولادنا، وينهبون أرضنا، ومن يقول إن الاستعمار انتهى فهو كذاب، الاستعمار موجود في فلسطين، وشعبنا يعاني القهر والحرمان، سواء اللي هم بفلسطين، أو اللي هم بالمهجر”.
تطلعت إليها لوهلة، قبل أن أعرفها بنفسي كوني صحافيا وإعلاميا بحرينيا مدافعا عن القضية، مضيفا “يا حجة أنا أكتب عن فلسطين بلا خوف، وأخرج بالفضائيات وأقارع الجميع بلا خوف، أنا وغيري الكثير والكثير جدا في البحرين، وغيرها نتحدث وندافع بحرقة عنكم، ونعرف ما يحدث، ونحن متمسكون حتى الرمق الأخير بقضية العرب الأولى مثلكم، ولربما أكثر”.
وأضفت “من يقول إن القضية منسية فهو واهم، وكذاب، ومدلس، وما يحدث اليوم في الأراضي العربية المحتلة، هو إنعاش ذاكرة الجيل الجديد وبكل مكان، بأن هنالك فلسطين، وشعب فلسطين، وبأن هنالك سرقة، وقتلا، واغتصابا للأرض، وللشجر، وللحجر، وأذكرك أيتها السيدة الفاضلة بأننا موجودون، وسنظل كذلك”.
لحظات قبل أن تشكرني بكثافة وهي تربت على كتفتي، في حين ابتسم لي الشاب ممتنًا، وعلى وجه علامات قلة الحيلة.
وبينما كانا مغادرين، تطلعت إلى خطواتها المتثاقلة والبطيئة، والتي تحمل هموم السنين، وأوجاعها، وذكريات الألم، ورائحة الدم، وفقدان الأحبة، وفي قلبي حزن لا يوصف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية