العدد 5547
الجمعة 22 ديسمبر 2023
banner
الامتثال للحوكمة وأثر طموح الشركات
الجمعة 22 ديسمبر 2023

لقد ثبت من التجربة العملية المتواصلة، أن تطبيق مبادئ حوكمة الشركات يعود بفوائد جمة عديدة على الشركات بصفة خاصة وعلى العمل المؤسسي بصفة عامة، وفي هذا خدمة لكل المجتمع بكافة طبقاته.

وهناك عدة أمور يساهم وجودها، في الشركة، في دفع التطبيق الأمثل لمبادئ حوكمة الشركات إلى آفاق بعيدة ومن هذه الأمور يأتي “طموح” الشركة في هذا الخصوص علي رأس القائمة. إن للطموح أثرا كبيرا في شتي الأمور الشخصية، وكذلك فإن له دورا كبيرا في الأمور الأخرى المؤسسية كما يحدث في العمل الفردي وعمل الشركات وخلافهما لأنه يشحذ الهمم ويرفع القيم.


إن توفر الطموح، الذي يأتي من الشغف الحقيقي، في كل عمل يعتبر بداية الانطلاق نحو التميز المتميز ونحو الريادة الرائدة. وفي ما يتعلق بحوكمة الشركات، فانه يعتبر الزاد والعتاد للأخذ بيد الشركة للوصول لقمة الأهداف. بل إن الطموح بشقيه الشخصي والمؤسسي، يؤخذ كأحد المتطلبات التي يكون لوجودها قوة لأزمة قوية لدفع الشركة نحو الالتزام بالتطبيق الأمثل لمبادئ حوكمة الشركات. ومن الواقع المعاش تبين أن تلك الشركات ذات الطموح العالي هي التي نجحت في السير بثقة وأمان نحو تطبيق الحوكمة والاستفادة القصوى من المبادئ التي تنادي بتطبيقها. وبالطبع، كما نعلم، فإن طموح الشركة يأتي من طموح أولئك الأفراد القابعين على القمة الإدارية للشركة والمتمثلة في كل من رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة ومعهم القادة التنفيذيين الذين يقودون الإدارة اليومية ومن خلفهم كل عامل في الشركة. ويسعون جميعا بكل قوة وجهد لدفع الشركة لتحقيق إصابة هدف الحوكمة لتفعيل الإدارة الرشيدة للشركة.


بصفة عامة، وللحصول على الريادة والتميز، والتي تتم عبر التطبيق الأمثل لمبادئ حوكمة الشركات، فإن الشركات “الطموحة” تسعى حثيثا نحو العمل بجدية لتحقيق طموحها، والذي يتأتى عبر وضع تلك الأهداف وتلك الرؤية وتلك القيم العليا لهم وللشركة، وتحديد كل منها بصورة واضحة ثم الالتزام بالسير المضمون على هدى نهجها السليم. ولتفعيل الطموح فإن “أهداف” الشركة التي يجب وضعها لا بد أن تشمل، مثلا، الإجابة على من نحن؟ وماهي شخصيتنا؟ وماذا نفعل ؟ ومن أجل ماذا قامت الشركة؟ وما هو الهدف المنشود من قيامها وما هي الأولويات لتحقيق هذا الهدف؟


ولتفعيل الطموح فإن “رؤية” الشركة التي تجب بلورتها والاتفاق عليها لا بد أن تشمل، مثلا، الإجابة على ما هي أهم الطموحات التي نحلم في تحقيقها في الشركة؟ وما هي نظرتنا لتنفيذ هذا الحلم في المستقبل؟ وما هي الخطوات الواجبة التغيير للوصول لتحقيق هذه النظرة المستقبلية؟ والى أين نريد الوصول؟ وما هو الحد الذي نطمح للوصول إليه، وكما يقول البعض فإن “حدودنا سقف السماء”؟ ولماذا وكيف ولمن نطمح في تحقيق هذه المساهمات؟ وما هي وما هو مدى طموحاتنا على المديين القريب والبعيد؟ وما هو دور كل منا كفرد وحيد وكجزء من المجموعة... وغيره.

ولتفعيل الطموح فيما يتعلق بـ “القيم العليا” للشركة فلا بد أن تشمل، مثلا، الإجابة على ما هي تلك القيم التي تشكل لنا أهمية خاصة؟ ما هي القيود والمثل العليا التي نري ضرورتها لتوجيه مسارنا؟ ما هي الخطوط المهمة في تصرفاتنا؟ كيف نتعامل مع بعضنا البعض ومع غيرنا في المجتمع؟ كيف نعمل بروح جماعية؟


إن وجود الرؤية الواضحة لمستقبل الشركة يعمل على وضع المسار الصحيح للشركة في الحاضر وأيضا المستقبل. ويجب أن تكون هذه الرؤية واقعية متماسكة، وفي نفس الوقت فإنها يجب أن تكون بسيطة لتلك الدرجة الكافية ليسهل تطبيقها بواسطة كل شخص في الدرجة التي يشغلها ووفق مسؤولياته التنفيذية وخلافه. وبغض النظر عن تحقيق الأرباح المادية، فإن الرؤية في الشركات الطموحة يجب أن تشمل دائما خدمة كل المجتمع وكل الأفراد والجهات ذات الصلة العلاقة بالشركة. أن توفر الطموح لإدارة الشركة، والذي يتمثل تحقيقه عبر الالتزام بتنفيذ النقاط المذكورة أعلاه لأعلى درجة، يجب أن يكون متبوعا بالتطبيق السليم حتى يبقى هذا الطموح مستمرا نافذا، وذلك عبر التواصل المستمر مع كل الجهات ذات الصلة والعلاقة. وهذا الأمر يتم بالتواصل المستمر عبر المؤتمرات الداخلية واللقاءات الدورية والمناقشات التي يتم فيها طرح كل الأفكار الطموحة للشركة وتبادل هذه الأفكار ليتم تطويرها وبلورتها للتطبيق الأمثل لتحقيق الغاية المنشودة. ومن هنا يأتي “الطموح” الطامح. وبعد ذلك تقوم كل دائرة في الشركة بصياغة الأهداف “الطموحة” النابعة من اختصاصاتها مع توضيح كيفية التنفيذ والتنسيق مع الدوائر الأخرى في الشركة وذلك بطريقة تسعى لتوفر “الهارموني” المطلوب بين مختلف الدوائر والاختصاصات تحت قيادة المايسترو للأوركسترا الجماعية للشركة. هذا مع مراعاة عدم الاكتفاء فقط بصياغة هذه الأفكار بل لا بد من توفر القناعة التامة بها والعمل على تنفيذها وفق أفضل السبل مع العمل على مراعاة أن تتضمن كل الأفكار الحالية وكذلك المستقبلية ليتم التطور والتطوير. ولتحقيق هذا التوجه، فلا بد أيضا من الأخذ في الاعتبار آراء العاملين بمختلف طبقاتهم لأنهم يعرفون بواطن الأمور في الشركة وكيفية الارتقاء بها لتحقيق الطموحات التي تتطلع لها الشركة وإدارتها التنفيذية العليا. وأيضا، للخروج في التفكير “خارج الصندوق” اللجوء للعملاء والاستئناس بآرائهم وملاحظاتهم الإيجابية والسلبية لأنهم هم زاد الشركة ووقودها لتحقيق الطموح والوصول إليه.


إن وجود “الطموح” يفتح الآفاق للشركة ويكون الدافع القوي لها لتطبيق مبادئ حوكمة الشركات للوصول لتحقيق المراد على أفضل وجه. ومن دون شك، فان إعداد مبادئ حوكمة الشركات وصياغتها على أفضل وجه لا يكفي بوحده بل لا بد من وجود العزيمة والشغف العميق لتفعيل الطموح لدى الشركة وطاقمها حتى تصل السفينة لبر الأمان في أفضل وجه وأحسن حال... ولنزرع الطموح في كل أركان الشركة وفي فكر كل فرد في الشركة حتى نجني أفضل المنتجات التي يتطلع لها المجتمع. ومن مثل هذه المواقف الطموحة يتم الامتثال الأفضل لمبادئ حوكمة الشركات لتطوير البنية والعمل المؤسسي للجميع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .