كلما حاولت أن أكتب عن شيء آخر لا أستطيع، لا يمكنني أن أبتعد عن مشهد الأطفال المذبوحين ومشهد ركام البنايات الذي يدفن تحته ما يزيد على خمسة آلاف إنسان قتلوا بلا ذنب، كلما قلت لنفسي غدا سيكون أقل بشاعة من اليوم وسأجد مشهدا آخر قد يبعدني مؤقتا عن هذه الصور، جاء مشهد أشد قسوة على النفس، وجاء مشهد يكذب كل شعارات الحضارة الحديثة، ويكذب المبادئ المعلنة لما يسمى بالمجتمع المتمدين، وجاء مشهد يجعلك لا تستمتع بطعام أو شراب.

المشهد الجديد الذي أهان الحضارة الإنسانية وأعاد الإنسان إلى مجتمع الغاب هو مشهد اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى الشفاء الذي تعطل تماما تحت وطأة القصف الإسرائيلي ومات فيه الأطفال ومرضى الفشل الكلوي بسبب تعطل أجهزة التنفس وأجهزة الغسيل الكلوي نتيجة انعدام الوقود. هذا المشهد لا يجب أن يخجل الحكومة الإسرائيلية وحدها، لكن يجب أن يخجل الإدارة الأميركية التي أكدت أن مستشفى الشفاء به قاعدة عسكرية تستخدم في ضرب إسرائيل. يا له من موقف مخجل ومحاولة بائسة من قادة الجيش الإسرائيلي الذي وضع أمام الكاميرات عددا من البنادق ليعلن أمام العالم أنه وجد سلاحا داخل المستشفى.

وبطبيعة الحال لم تقم قوات الجيش الإسرائيلي المدججة بالسلاح بتوصيل الكهرباء أو الوقود للمستشفى لكي تحمي الأطفال الملقون على الأرض من الموت، لكنها تركتهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة لكي لا يكبروا ربما ويصبحوا أطفال الحجارة. ومن جديد ننادي على بيكاسو: أين أنت يا بيكاسو! هذه غورنيكا جديدة أبشع بكثير من غورنيكا التي رسمتها. هنا مشهد يبصق على وجه البشرية!.