العدد 5528
الأحد 03 ديسمبر 2023
banner
“كسينجر”... من “غرام” الساحرة إلى “مكر” السياسة!
الأحد 03 ديسمبر 2023

ربما لا يعرف كثيرون أن أهم صناع السياسة الأميركية على مر التاريخ، كان يمكن أن يصبح لاعب كرة قدم من طراز رفيع يضاهي أسطورة كرة القدم الألمانية فرانتس بيكنباور، الذي رفع كأس العالم في العام 1974، لكن كرة العنصرية التي دحرجتها شياطين النازية في عهد مؤلف كتاب “كفاحي”، صارت تكبر وتدمر كل من يقف في طريقها، حتى مزقت بجبروتها شبكة القيم الإنسانية!
وكان هذا سببا كافيا ليدفع الفتى اليهودي الذي عشق كرة القدم في ألمانيا النازية، إلى الفرار من وطنه الأم، ويقطع المحيط الأطلسي برمته هربا من الجحيم، ليصل بعد ذلك إلى أرض الأحلام أميركا، التي حصل على جنسيتها وانضم إلى جيشها، وتعلم في مدارسها وجامعاتها حتى حقق أسطورة مجده، التي كانت مختلفة تماما عما بدأت عليه نشأته حتى سن 15 عاما!
وفي الولايات المتحدة التي لا تعرف شيئا عن كرة القدم حتى العام 1938، أصبحت ممارسة اللعبة ترفا لا يقوى عليه هنري كسينجر في غياهب المهجر، وكرس نفسه للدراسة الثانوية في قسم مانهاتن العليا، كجزء من مجتمع المهاجرين اليهود الألمان الذين كانوا يقيمون هناك في ذلك الوقت، وهكذا انتهى حلمه بمواصلة لعب كرة القدم في ناديه المفضل “غرويتر فورت”، الذي كان واحدا من أفضل الأندية الوطنية في ألمانيا في الثلاثينات من القرن الماضي.
ويعترف كسينجر في مقابلة أجريت معه العام 2022، ولعلها الأخيرة قبل وفاته، بأن الحكم النازي بقيادة أدولف هتلر في العام 1933 شكل نقطة تحول عميقة في حياة عائلته اليهودية، ويذكر جيدا أنه تعرض وأصدقاؤه للمضايقة والضرب بانتظام من قبل عصابات شباب هتلر التي أفسدت عليهم الأوقات الممتعة أثناء اللعب بكرة القدم.
ويذكر أيضا أنه عندما كان في ألمانيا النازية، تحدى في بعض الأحيان الفصل الذي فرضته القوانين العنصرية عبر التسلل إلى ملاعب كرة القدم لمشاهدة المباريات الممنوعة على اليهود، ما أدى في الكثير من المرات إلى تعرضه للضرب من حراس الأمن بعد اكتشاف أمره.
بهذا السيناريو الدراماتيكي، خسرت كرة القدم شخصية لامعة ومؤثرة مثل هينري كسينجر، بينما كسبته السياسة الأميركية، وإسرائيل، التي حاول من أجل خاطر عيون رئيسة وزرائها جولدا مائير، خداع العرب في حرب 1973!
على كل حال، رحل “الساحر الأميركي” قبل أيام عن عمر يناهز 100 عام، مخلفا وراءه إرثا كبيرا لشخصية جدلية لعبت دورا محوريا في صياغة مفاهيم السياسة الأميركية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وصولا إلى يومنا الحاضر، ولست أدري كيف يمكن أن يكون سيناريو حياة هينري كسينجر لو أن شياطين النازية لم تطارده في أيام المراهقة، ودفعته عنوة إلى خارج ملاعب كرة القدم الألمانية حتى وجد نفسه في ملاعب السياسة الأميركية؟!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية