العدد 5524
الأربعاء 29 نوفمبر 2023
banner
عن البشرية والهاوية المناخية
الأربعاء 29 نوفمبر 2023

في رسالته البابوية الأحدث "سبحوا الله"، يخبرنا الحبر الأعظم البابا فرنسيس أنه لم يعد من الممكن الشك في الأصل البشري "الإنساني" في تغير المناخ. يوضح بابا الفاتيكان كيف أن تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والذي يسبب الاحتباس الحراري، بقي مستقرا حتى القرن التاسع عشر، وذلك بأقل من 300 جزء في المليون من حيث الحجم. لكن في منتصف ذلك القرن، وبالتزامن مع التنمية الصناعية، بدأت الانبعاثات بالازدياد، وفي الخمسين سنة الماضية تسارعت الزيادة بشكل ملحوظ، كما أكد مرصد "مونا لوا" الذي راقب متوسط الحرارة اليومية لثاني أكسيد الكربون منذ سنة 1958.
يقول فرنسيس: "بينما كنت أكتب الجزء الأول من هذه الرسالة عام 2015، تم الوصول إلى الحد الأقصى في التاريخ، 400 مليون جزء في المليون، أما الآن ووقت كتابة الجزء الثاني من الرسالة عينها في يونيو 2023، وصلت النسبة إلى 423 جزءا في المليون، أي أن أكثر من 42 % من إجمالي الانبعاثات منذ سنة 1850 حدث منذ عام 1990؟ تظهر رسالة بابا الفاتيكان العلاقة العضوية الوثيقة بين غازات الدفيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض، والتي ارتفعت في الخمسين سنة الماضية بسرعة غير مسبوقة.
يقطع فرنسيس بأن التدخل البشري الجامح في الطبيعة في القرنين الماضيين، كان ولا يزال السبب المؤكد لاضطراب عناصر الطبيعة، وتسارع معدلات التغير، عطفا على ما تخبئه قوى الكون التي قد لا نعلم عنها الكثير حتى الساعة. يتخذ الفقير وراء جدران الفاتيكان، البابا فرنسيس، من جائحة "كوفيد 19"، منطلقا لتبيان حال العالم، وتشابك الخيوط وتداخل الخطوط بين الشمال والجنوب، الشرق والغرب، الأغنياء والفقراء، دول العالم الثالث والدول المتقدمة.
لقد أثبتت الجائحة العلاقة الوثيقة بين حياة الإنسان وحياة الكائنات الأخرى والبيئة، لكنها أكدت بشكل خاص أن ما يحدث في أي مكان في العالم له تداعيات على الكوكب بأكمله، وهذا يسمح بأن نكرر التوقف أمام فكرتين: "كل شيء مترابط" و"لا أحد يخلص وحده".
في الرسالة الجديدة "سبحوا الله" يعاود فرنسيس التنبيه إلى إشكالية "النموذج التكنوقراطي المتنامي"، والذي يقف وراء عملية التدهور البيئي الحالية، ويعتبره دربا منحرفا لفهم الحياة والعمل الإنساني، وتناقض الواقع إلى حد الإضرار به".
هذا النموذج في الواقع يعتبر "كما لو أن الواقع والخير والحقيقة تنبثق تلقائيا من نفس القوة التكنولوجية والاقتصادية، وكنتيجة منطقية تنتقل بسهولة إلى فكرة النمو اللامتناهي أو غير المحدود، التي أثارت حماسة كبيرة لدى الاقتصاديين والممولين وخبراء التكنولوجيا".
هل يخشى البابا الروماني الكاثوليكي من سطوة البشر أنفسهم كمدخل لانهيار الواقع البيئي ولهذا طالب مرارا وتكرارا بما أطلق عليه "الارتداد الإيكولوجي"؟.
يعتبر سيد الكرسي الرسولي في الفاتيكان، أنه أمر مثير للقلق الشديد أن نلاحظ القدرات التي تضخمها التكنولوجيا والتي تمنح الذين لديهم المعرفة، ولاسيما القوة الاقتصادية لاستخدامها، هيمنة مذهلة على البشرية جمعاء وعلى العالم أجمع إذ لم تتمتع الإنسانية من قبل بمثل هذا القدر من السلطة على نفسها، وليس ما يضمن أنها ستحسن استخدامها، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الطريقة التي تستخدمها اليوم.
ما هي دعوة فرنسيس للجميع في نهاية رسالته الأحدث "سبحوا الله"؟ إنه يدعو كل واحد منا للسير في طريق المصالحة الإيكولوجية، أي بين الذات وبين الطبيعة والمناخ، الهواء والماء، النار والتراب، عناصر الأرض الأربعة.
يدعونا فرنسيس إلى تجميل عالمنا الأرضي، كل واحد بمساهمته الخاصة، إن شئنا بالفعل استنقاذ كوكب الأرض.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية