العدد 5519
الجمعة 24 نوفمبر 2023
banner
مرة أخرى.. من أدونيس إلى أدونيس (2)
الجمعة 24 نوفمبر 2023

عندما تمخض الشاعر السوري علي أحمد سعيد الملقب بـ "أدونيس" عن رسالة تصدر فيها قائمة المثقفين العرب، ليخاطب بها مثقفي الغرب، ظن البعض أن صداقة الأيام الخوالي هي نفسها في أيام الرمادة، وأن رفقة الدرب العسير هي رفقته في مطلع العمر القصير، قال أدونيس وأكثر من مئة مثقف ومبدع عربي لمثقفي الغرب: إذا كانت السياسات الرسمية الغربية المنحازة لإسرائيل والمتسترة على جرائمها، تسعى لتزوير نضال الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية عن طريق تقديمه بوصفه إرهابًا، فينبغي ألا ينساق قسم من مثقفي الغرب إلى هذه المزعمة الكاذبة، لأن الذين يروجونها من السياسيين يرتبطون بمصالح لا صلة لها بمصالح شعوبهم ولا مصالح مثقفيهم، ناهيك عن اتهام المقاومة بـ "الإرهاب"، منتهكين بذلك القانون الدولي الذي يقر حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحرير أراضيها المحتلة بالوسائل كافة، بما فيها المسلحة، ذلك أن مثل هذا الخلط المتعمد بين المقاومة والإرهاب لن يكون من شأنه سوى تسويغ الاحتلال وتسفيه كل مقاومة مشروعة في التاريخ الحديث وتزييف مضمونها الوطني، فهل يوجد في بيئات المثقفين بالغرب من هو مستعد فكريًا ونفسيًا وأخلاقيًا لأن يصف المقاومات الوطنية في أوروبا للنازية والنازيين بأنها حركات إرهابية؟
وتحت الرسالة التي حصلت على نسخة منها، توقيع أكثر من مئة مثقف عربي يتقدمهم أدونيس، وتضم أشهر المبدعين والمفكرين العرب ومن بينهم الشاعر المغربي محمد بنيس والمفكر المصري نبيل عبدالفتاح والباحث وحيد عبدالمجيد وراجح داوود والشاعر العراقي علي جعفر العلاق والمخرج السينمائي عز الدين العلوي والباحث سمير مرتضى، وغيرهم. لكن.. كيف كان رد المثقفين الغربيين على مثقفينا "المتفائلين"؟. هل أجابوا على مأزق النازية واعتبارها إرهابًا مثلما اعتبر قاسم أعظم من شعوب وسياسيي الغرب مقاومة شعوبنا على أنها إرهاب؟ بالنتيجة كيف رد مثقفو الغرب على أسئلة المثقفين العرب المشروعة، وعلى فرضياتهم الحائرة؟
لم تمر أيام قلائل حتى جاء رد أكثر من 50 مثقفا غربيا على رسالة مثقفينا برسالة تحوي "ديباجة" تمهيدية مطولة يشاركوننا فيها مشاعرنا بانتقاد الصمت الرهيب الذي خيم على أجواء المثقفين الغربيين إزاء الأحداث المأساوية في غزة وفلسطين قائلين بالحرف الواحد: "إن حالة الطوارئ الخانقة التي نعيشها الآن وأحداثها الرهيبة تجبرنا على إفساح المجال ليس فقط للعاطفة، لكن أيضًا للعقل، حيث إننا بحاجة في هذه الأثناء وأكثر من أي وقت مضى إلى الحكمة، ذلك أن هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي أثار مشاعر عميقة في أوروبا، وفي العالم الغربي عمومًا، وأيقظ فكرة المحرقة بكل ما يشعر به جزء من الرأي العام الأوروبي، وما نتج عنه من ذنب تجاه هذا الموضوع.
ومن المؤسف حقًا أن الأعمال الانتقامية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة والتي أدت إلى قتل الآلاف من المدنيين، لا يبدو أنها أثارت نفس المشاعر لدى غالبية وسائل الإعلام الغربية وقادتها السياسيين مما يفجر ويؤكد مرة أخرى ما يسمى بـ "المعايير المزدوجة" التي تهيمن على عالم اليوم".
الرسالة أطول من ذلك لكنها تحوي اعترافًا صريحًا بأن الغرب يميزون عرقيًا تجاهنا كعرب، وأنهم من خلال مفكريهم ومبدعيهم يكشفون ذلك الوجه القبيح الذي نُقَبِّل جبهته كل صباح مؤمنين ومستسلمين بأن كل ما يرد إلينا منه حقائق دامغة، وما ينطلق من بني جلدتنا دفاعًا عن حقوق مشروعة لا يمت لهذه الحقائق بأدنى صلة.
و.. هنا يصبح للمكيالين وزنًا نوعيًا معقدًا، وللمعايير المزدوجة قياسًا إنسانيًا لم يسبق له مثيل في العلاقات الدولية، و.. للحديث بقية.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .