المجتمع الدولي" ومسؤولياته، عبارة ترددت كثيرًا خلال الآونة الأخيرة على ألسنة كبار المسؤولين العرب، "المجتمع الدولي ومسؤولياته" كرة ثلج متدحرجة من أحضان مسؤولينا إلى أروقة المنظمات الدولية، ومن تصريحات المنظمات العربية إلى العالم بأسره، هي تَنَصُّل من مسؤولية وطنية، وهروب من الوصاية على الإقليم إلى الوصاية على القطر، ومن درء المخاطر عن الأمة، إلى إزاحتها ولو قليلاً إلى النوافذ المشرعة البعيدة. "المجتمع الدولي ومسؤولياته" سمعتها في خطابات خاصة، وفي بيانات لاحقة، وعلى ألسنة مسؤولين كبار، لكنها كمثل حبة لم تنبت في أرض قاحلة، وليست "كمثل حبة أنبتت في الأرض سبع سنابل"، وهي بطبيعة الحال تجميد لمشروع عربي كبير قوامه "حل الدولتين"، وتكامل ما بين المحيطين، وتعاون من أعالي البحار إلى أعالي الأنهار، إلى تشرذم من الوريد إلى الوريد، والنخاع حتى النخاع.
على قاعدة "وأنا مالي يا عم" سمعت مسؤولاً وهو يعول على هذا المجتمع الدولي قائلاً: "وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته" وغزة تحترق، بعد التصريح مباشرة رفض مجلس الأمن الدولي المتولي زعامة هذا المجتمع المسمى بالدولي مشروع قرار روسيا وآخر عربيا، وآخر صينيا يوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وعلى نفس وتيرة سيد هذا المجتمع المسمى بالدولي وجدنا المجلس نفسه وهو يرفض إدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة خشية غضب إسرائيل، ونزولاً على الفيتو الأميركي المرابط في شرق الولايات المتحدة بمبنى الأمم غير المتحدة.
وحتى اللحظة يفشل مجلس الأمن الدولي في تنفيذ جميع قراراته القاضية بحفظ السلم والأمن الدوليين، ترك العدو الصهيوني وهو يعربد في قطاع غزة مخرجا لسانه للمجتمع المسمى بالدولي، ومحاصرًا مستشفى الشفاء، وضاربًا عرض الحائط كل الأعراف والقيم الإنسانية ليقتل الأطفال وهم في حضاناتهم، والنساء وهن على البوابات الدامية، والمسنين والمرضى وهم على كراسيهم المتحركة.
لم يستطع المجتمع المسمى بالدولي تنفيذ قرار أممي واحد منذ 242، و338، و515، القاضي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها في الخامس من يونيو عام 1967، بالإضافة إلى تلك القرارات الخاصة بحل الدولتين بعد مؤتمر أوسلو غير المأسوف عليه.
المجتمع الدولي أصبح غير مكترث بالقضية الفلسطينية أصلاً، والتشبث به أصبح أمرًا مضحكًا، والمناداة به والتعويل عليه بات بمثابة الاستخفاف بعقول الشعوب العربية، ناهيك عن نظرة المجتمع الدولي نفسه لنا كعرب ونحن نهرول إليه طالبين النجدة.
إن هذا المجتمع أصبح لا يحترم غير الأقوياء، أصبح لا يبالي بالضعفاء، ولا ينجد الدول التي تمتلك من الإمكانيات والثروات ما يؤهلها لكي تحمي نفسها بنفسها ولكنها لا تفعل، فلا تصدر من القرارات وتتخذ من المواقف ما يحفظ ماء وجهها الذي أُريق، وما يحقن دماء شعبها الذي يسيل، وما يحمي شرف الأمة الذي انتُهِك.
لا مجتمع دولي يعول عليه، حتى نطلب منه أن يتحمل مسؤولياته، فقد كان من الأجدر بنا كعرب أن نتحمل مسؤولياتنا، وإن فشلنا فإننا سنجد كل العالم الحر وهو يساندنا ويشد من أزرنا ويثبت أقدامنا.. فلا مجتمع دولي فعال من دون مجتمع عربي أكثر فاعلية.
كاتب بحريني