العدد 5510
الأربعاء 15 نوفمبر 2023
banner
عصر الاضطرابات.. استشرافات أم تنبؤات؟
الأربعاء 15 نوفمبر 2023

ما الذي يجعل مؤرخا رفيع القدر مثل نيل فيرغسون، الاسكتلندي الأصل، الأميركي الجنسية، يميل للقطع بأن العالم على مقربة شديدة جدا من تكرار أزمات السبعينات، وربما الستينات، وعلى أكثر من صعيد، اقتصاديا وسياسيا، اجتماعيا وأخلاقيا؟ في حديثه لشبكة "سي. إن. بي. سي" الأميركية، يحاجج فيرغسون بأن "أخطاء السياسة النقدية والمالية في العام الماضي، والتي أدت إلى هذا التضخم، تشبه إلى حد كبير الستينات"، ومشيرا إلى مقارنة الزيادات الأخيرة في الأسعار بالتضخم المرتفع باستمرار في السبعينات.
لا يبدو ماضي العقود القريبة مشابها فقط على صعيد الأوضاع الاقتصادية، بل الدولية ذات الملح والملمس العسكري أيضا. يقارن فيرغسون كذلك، بين ما جرت به المقادير في العام 1973، من حرب بين إسرائيل والدول العربية، والمعروفة بحرب الغفران، وبين الحرب الروسية – الأوكرانية الجارية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الأولى لم تستمر أكثر من عشرين يوما، فيما الجارية هاهي تمتد لنحو عشرة أشهر، وتخلق ذات الارتدادات على مستوى أزمات الطاقة، واستدعاء المشاورات الدولية. فيرغسون يلفت إلى أن السياسيين والبنوك المركزية يسارعون للتخفيف من أسوأ آثار الركود والتضخم، وذلك من خلال رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم وتقليل الاعتماد على واردات الطاقة الروسية، غير أنه وفي الوقت عينه يؤكد أنه لا يوجد دليل صلد يشير إلى إمكانية منع الأزمات الحالية من التدهور.
ترى ما الذي يدفع فيرغسون في طريق التنبؤات السلبية للأعوام القادمة، وربما ما بعد بقية العقد الحالي؟ المؤكد أن انخفاض نمو الإنتاجية اليوم، وارتفاع مستويات الديون، والتصاعد السكاني المثير للقلق، عطفا على الصدام المتوقع بين بكين وواشنطن، كما ينعكس في أزمة تايوان، يجعل من المحتمل جدا حدوث صدامات عالية، والكوارث تميل إلى الحدوث بشكل غير خطير وفي نفس الوقت، على حد قوله. لم يتنبأ نيال فيرغسون على غرار بيل غيتس بحدوث كارثة وبائية جديدة خلال سنوات، لكنه كرس وقتا وجهدا كبيرين، ضمنهما مؤلفه المعنون "الهلاك.. سياسة التعامل مع الكارثة، وفيه حديث مثير عن تاريخ الأوبئة والنكبات التي مرت على الإنسان بما في ذلك الحروب والمجازر وأضرارها، وتحليل كيفية استجابة المجتمعات للكوارث وتعاملها معها، والتي قد تضاعف الأضرار الناجمة عنها.
يقطع فيرغسون بأن البشر عادة لا يميزون بين الكوارث الطبيعية والأخرى من صنع الإنسان، لكن الوباء يتألف من كائن مُمرض جديد وشبكات اجتماعية يهاجمها، ولا يمكننا استيعاب حجم العدوى من خلال دراسة الفيروس فحسب، لأن الفيروس سيعُدي البشر، فقط تبعا لما يسمح به الأفراد والشبكات الاجتماعية، وهذا الأمر بدوره على صلة كبيرة بالجانب السياسي. 
حتى الزلزال في نظر فيرغسون، يعد كارثيا فقط تبعا لحجم الانتشار الحضري على طول خط الصدع، أو الساحل، إذا ما أثار تسونامي، وتكشف الكارثة عن كثير من الخبايا في المجتمعات والدول التي تضربها، فهي لحظة حقيقة كاشفة تفضح هشاشة البعض وتكشف مدى صلابة البعض الآخر. 
يعد فيرغسون من أحكم وأعقل الأصوات التي حذرت البشرية المعاصرة من الكوارث وعدم الاستعداد لملاقاتها، وهي التي يصعب توقعها، علاوة على أن العالم الذي بنيناه أصبح بمرور الوقت منظومة معقدة على نحو متزايد، وعرضة لمختلف أنماط السلوك العشوائي والعلاقات غير الخطية.
هل فيرغسون زرقاء اليمامة المعاصرة، وهل ما يقدمه استشرافات أم تنبؤات؟.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .