العدد 5493
الأحد 29 أكتوبر 2023
banner
أميركا الامبراطورية.. بدايات أم نهايات؟
الأحد 29 أكتوبر 2023

إلى أين تمضي الولايات المتحدة الأميركية؟ علامة استفهام تشغل عقول الكثير من المفكرين، وفي مقدمتهم البروفيسور الأميركي الكبير وأستاذ العلوم السياسية الأشهر "جوزيف اس. ناي الابن"، والمعروف حول العالم برؤيته للعلاقة بين أميركا وبين القوة الناعمة في طريق السيطرة على العالم، غير أن كتابا آخر جاء تحت عنوان "هل انتهى القرن الأميركي" للبروفيسور ناي عينه، يضعنا أمام توجهين، واحد يقول إن نهايات القرن الأميركي تقترب بالفعل، وطريق آخر ينكر على الأول توجهاته.

والمؤكد أن الجدل الدائر حول مفهوم "القرن الأميركي" يطرح تساؤلات منذ بداية الخمسينات، وامتدت حتى السبعينات حول تراجع القوة الأميركية، خصوصا عندما أصدر المؤلف الأميركي الكبير "بول كيندي" كتابه الشهير "صعود وسقوط القوى العظمى"، وهو الكتاب الذي استعرض أوضاع القوى العظمى منذ عصر النهضة وأدوات صعودها وسقوطها والعوامل والقوى العسكرية والاقتصادية التي كانت وراء ذلك.

هنا يمكننا التساؤل هل جزء من إشكالية أميركا اقتصادي؟ ولعل ما لم يورده البروفيسور ناي بالفعل، ويفتح لنا بابا للقراءات المعمقة حول واقع أميركا، هو مقدار ديونها الخارجية التي وصلت حاليا إلى أكثر من 31 تريليون دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ كل الامبراطوريات التي مرت على الإنسانية طوال التاريخ وحتى الساعة. كان الاقتصاد مدخلا داعما لجماعة تأكيد انهيار القرن الأميركي، غير أنه مثلما واجهت مدرسة بول كيندي عن الاضمحلال نقدا، تواجه هذه المدرسة أيضا انتقادات من جانب خبراء أميركيين مثل "ايفو دالدر"، و"روبرت كاجان"، اللذين اعتبرا أن القدرات الأميركية مازالت ذات وزن، فالاقتصاد الأميركي مازال هو الأكثر ديناميكية في العالم، والدولار هو أقوى العملات الاحتياطية العالمية، ويسعى الناس في أنحاء المعمورة إلى الاستثمار في الدولار لدعم اقتصادياتهم الضعيفة، ومؤسسات التعليم الأميركية هي الأفضل حول العالم، وهي التي تستقطب الطلاب من أقاصي العالم.

عبر كتابه المثير هذا ينضم جوزيف ناي إلى الفريق الذي يفند فكرة الاضمحلال الأميركي ونهاية القرن، واعتقاده أن الولايات المتحدة مازالت تملك مقومات القوة مجتمعة، الأمر الذي لا تملكه القوى الأخرى المنافسة.

ومثلما حدث في بداية التسعينات بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي، ومع نهاية التسعينات من فحص للقوى الدولية مقارنة بالولايات المتحدة، يجري عالم السياسة الأميركية الشهير بدوره "ريتشارد هاس" رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في نيويورك، فحصا للقوى الدولية التي ينظر إليها باعتبار أنها يمكن أن تنافس الولايات المتحدة وتنهي القرن الأميركي، وينتهي في تحليل مقومات القوة والضعف في كل من هذه القوى، إلى أنه من الصعب أن تمثل تحديا للولايات المتحدة بشكل ينهي القرن الأميركي.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن "البروفيسور ناي" ينبه إلى أن قوة ونفوذ أميركا، شأن أية قوة أخرى في التاريخ، ليست أبدية، كما أنه يشارك خبراء استراتيجيين مثل بريجنسكي وهاس اللذين يعتقدان استمرار التفوق الأميركي، ولكن هذا مشروط بمعالجة أميركا مشكلاتها الداخلية من ديون وتعليم ورعاية صحية وبيئة ونظامها السياسي.

غير أن هناك بعض الإشكاليات الجوهرية التي لم يتعرض لها ناي في كتابه، وهي خطيرة جدا سيما أنها تهدد النسيج المجتمعي الأميركي، فهو لم يتوقف أمام صعود التيارات اليمينية العرقية، تلك التي تقسم الأميركيين على أسس من اللون والجنس والدين.

هناك أيضا حلم الحريات الذي يكاد يتلاشى بعد انتشار جمهورية الخوف كما تقول مادلين اولبرايت، ما يختصم من رصيد أميركا وقرنها.

الخلاصة قد تبقى أميركا قوية، لكنها لن تكون المهيمن الوحيد على المشهد الدولي.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .