العدد 5482
الأربعاء 18 أكتوبر 2023
banner
الشرق الأوسط.. العدالة والسلام
الأربعاء 18 أكتوبر 2023

مرة أخرى يندلع العنف في الشرق الأوسط، تلك المنطقة الجغرافية التي أضحى فيها الموت عادة، وبات السلام بعيدا، فيما يقول الراوي إنه شاهد ولا يزال "مارس إله الحرب" يبتسم ابتسامته الخبيثة، من وراء الأفق. من الأراضي الفلسطينية المحتلة، تدور رحى معركة جديدة، والتساؤل على الألسنة: "هل ستكون عملية طوفان الأقصى آخر عملية عسكرية متبادلة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي"؟ من أسف يمكن القطع بأنها لن تكون كذلك، إن لم تكن شرارة حرب إقليمية أوسع في المنطقة. يبدو هذا اليقين مهيمنا على العقول جراء ثوابت تاريخية غاب فيها العدل، فأختفى السلام والوئام، وحلت الحروب وساد الخصام.
حين تم غبن الألمان في نهاية الحرب العالمية الأولى، احتقن الداخل الألماني جراء القهر النفسي والمعنوي، الذي وقع عليهم، الأمر الذي دفع هتلر في نهاية المطاف إلى شن حربه الكونية التي كلفت العالم نحو سبعين مليون قتيل. لاحقا وبعد ست سنوات من الحرب الطاحنة، وهزيمة دول المحور، ارتفع شعار "لا عدالة.. لا سلام"، وقد كان مفاد الشعار، أنه من غير تصفية الملفات العالقة ومحاسبة الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، وإحقاق الحقوق، ورد المظالم، فإنه لن يكون هناك سلام، وستظل القارة الأوروبية دائرة وسائرة في طرق الموت المحمول برا وبحرا وجوا. هل يمكن القياس شرق أوسطيا على ما جرى في ألمانيا قبل عقود؟ يبقى جوهر الأمر واحدا، مهما تغيرت الأوضاع أو تبدلت الطباع، بمعنى أنه طالما ظلت القضية الفلسطينية بدون حل عادل، فإن الشرق الأوسط لن يعرف السلام.
على أن هناك فارقا مهما للغاية بين النموذجين الألماني والشرق أوسطي، فارق يتوجب الانتباه له حال المقاربة بين الطرفين. في الحالة الألمانية الصراع نسبي وليس مطلقا، حيث الأزمة دارت حول حدود وسدود، حول منافع ومزايا، يمكن التوصل إلى قسمة الغرماء من حولها. أما في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية، فإن الأمر مختلف كل الاختلاف، انطلاقا من أنها أرض مقدسة، ذات جذور دينية وإيمانية للأديان التوحيدية الإبراهيمية الثلاثة في العالم، اليهودية والمسيحية والإسلام. 
تعلمنا الفلسفة أن صراع المطلقات كارثي، وغالبا ما يؤدي إلى كوارث، وقد شهدنا في القرون الوسطى الأوروبية صراعات وحروبا دينية، دام بعضها نحو ثلاثين سنة، قبل أن تعرف زمن السلام مع توقيع "اتفاقية ويستفاليا" عام 1648.
ماذا يعني ما تقدم؟
يعني أن هناك صعوبة فعلية في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذلك أن حجر الزاوية في الخلاف عقدي مطلق، وليس سياسيا نسبيا.
لا يعني ذلك في كل الأحوال أنه ما من حل أو طريق للتوصل إلى سلام، فقد كان الأمل معقودا على اتفاق أوسلو، والذي أفرز طرح "غزة – أريحا"، أولا، غير أن التعنت الإسرائيلي قاد إلى إفشال عملية السلام لاحقا.
هل الفلسطينيون بدورهم ملومون ويقع عليهم عبء في تعقيد المشهد؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، سيما في ظل الانقسام الحاد الذي نتج عنه وجود جناحين متضاربين، فتح وريثة منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وحماس ذات الدوافع والمنطلقات العقدية، والتي تدور في فلك قوى إقليمية أخرى، ما جعل أصابع الاتهام توجه للقضية الفلسطينية بأنها باتت تستقطب أعداء إسرائيل من المنطقة، ما جعل البعد العادل للقضية كأرض فلسطينية محتلة، يغيب عن أعين الكثيرين.
ثم ماذا؟
باختصار غير مخل، ستظل دائرة الموت مستمرة، ويمكن أن تتسع رقعتها، وتنتشر شرارتها في الأرجاء المحيطة بها، الأمر الذي ينزع السلام ويجعله أثرا بعد عين.
لن تنتهي حروب الشرق الأوسط، إلا بالمزيد من العدالة، وهو وحده الكفيل بأن يحل السلام في الأرجاء، وما عدا ذلك فهو أوهام، والقول بالاعتماد على القوة الغاشمة، أو منطق المواجهات العسكرية العنيفة، أو دوائر الإرهاب، لن يحل الأزمة.
لا عدالة.. لا سلام.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .