في مؤلفه المتميز "البازار النووي.. نهضة الفقراء النوويين"، يخبرنا الكاتب الأميركي، ويليام لانجويش، أحد أشهر الكتاب الصحافيين الأميركيين في مجال الكتابة عن الأسلحة النووية ومخاوف انفجار حروبها، كيف أنه لم تعد توجد أسرار نووية حول الكرة الأرضية، فانتشار ذلك النوع الفتاك من أسلحة الدمار الشامل، كان سببه تسارع فعل التجسس، ما جعل كل دولة نووية جديدة قادرة على صنع القنبلة بمفردها، تماما كما حذر العلماء الأميركيون منذ بداية حيازتهم قنبلة هيروشيما.
لماذا لم يحدث الدمار النووي حتى الساعة، وصمد ما يُعرفه لانجويش بزمن "السلام النووي"؟ ربما لأنه نشأ تكافؤ غير مقصود فيما بين الدول النووية، إذ امتنعت كل منها عن توجيه الضربة الأولى لا لأسباب أخلاقية، بل لتيقنها من حدوث رد مدمر. هنا تبين أن انعدام الدفاع في حد ذاته، والذي أقلق العلماء في عام 1945، هو نفسه الدفاع، وإن كان مراوغا لأنه اقتضى التصعيد المتبادل. لكن هل يعني ذلك انعدام التهديدات النووية؟ المؤكد أنه حتى يومنا هذا وبعد سبعة عقود ونيف من النجاح في الحفاظ على السلام النووي، لا يزال "التكافؤ النووي" ردا مؤقتا على تهديد دائم، وفضلا عن ذلك، فإن المعرفة التفصيلية بصنع القنابل النووية قد أفلتت تماما من عقالها وباتت جزءا من الملكية العامة.
تبدو القوى النووية معروفة حول العالم، بدءا من الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية، فرنسا، الصين، إسرائيل، جنوب أفريقيا، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وربما إيران في القريب العاجل. عطفا على ذلك هناك ما لا يقل عن 20 بلدا آخر في وضع يسمح بالانطلاق في هذا الطريق، وفي الأمد البعيد لن يكون مهما تقريبا ما يتحقق من نجاح في إقناع بعض البلدان بالتخلي عن طموحاتها النووية.
يمكن للدبلوماسية أن تساعد في إبطاء الانتشار، إلا أنها لا تستطيع بعد الآن وقف هذه العملية إلا إذا كان بوسعها أن تعيد الزمن إلى الوراء. لقد أصبح تسلح العالم نوويا حالة من أحوال البشر، ولا يمكن تغييرها، والخوف منها يصبح خطيرا عندما يصرف الأنظار عن التقييمات الواقعية للأحوال على الطبيعة.
في هذا السياق تطفو على السطح علامة استفهام مثيرة للقلق والحيرة دفعة واحدة: "هل ما جرى لأوكرانيا يعزز من انهيار "السلام النووي" الذي استمر حتى بعد نهاية الحرب الباردة بثلاثة عقود؟ قصة أوكرانيا مع الأسلحة النووية تدفع البعض لجهة اليقين بأن من له ثوبان فليبع واحدا وليشتر سلاحا.
والمعروف أنه عند تفكك الاتحاد السوفييتي، احتفظت أوكرانيا بنحو ثلث ترسانة الأسلحة النووية السوفياتية على أراضيها، وهي ثالث أكبر ترسانة في العالم في ذلك الوقت، بالإضافة إلى معدات مهمة لتصميمها وإنتاجها.
كانت هذه الأسلحة رسميا تحت سيطرة رابطة الدول المستقلة، غير أن أوكرانيا وفي العام 1994، وتحت ضغوط تارة، وإغراءات تارة أخرى من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وبفعل قرض زهيد لا يتجاز الـ 400 مليون دولار، تخلت عن أسلحتها النووية.
هنا يبدو التساؤل المنطقي، والذي لا يراود الأوكرانيين في واقع الحال، بقدر ما يراود قوى أخرى تسعى لحيازة الأسلحة النووية حول العالم: "هل كانت روسيا – بوتين ستقدم على ما أقدمت عليه بالفعل، لو احتفظت كييف بترسانتها النووية؟
يبدو أن زمن السلم النووي الذي عرفته البشرية طوال الحرب الباردة، وعبر العقود الثلاثة الماضية يكاد أن يتوارى، ومن غير قدرة على تجنب صراع نووي إرادي أو عرضي، ما يجعل الانفجار النووي عند لحظة زمنية بعينها، قدرا مقدورا في زمن منظور.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية