العدد 5486
الأحد 22 أكتوبر 2023
banner
حكاية القبح والجمال في فلسطين!
الأحد 22 أكتوبر 2023

لعلها مناسبة جيدة، أن أدون “هذه الحكاية” بعد أن اختمرت في عقلي، وأصبح طرحها “موقفًا” وليس “سردًا” بمناسبة انخراط صحيفة “البلاد” في رعاية الحملة الوطنية لإغاثة غزة، وتبرعها بمبلغ مالي سخي نابع من إحساس عميق بالمسؤولية والتفاعل الوطني مع القضايا العربية والإسلامية.


أما الحكاية فقد تمثلت في الزيارة التاريخية التي تشرفتُ بها إلى فلسطين على هامش “بطولة النكبة الدولية” الثالثة لكرة القدم في العام 2014، ضمن وفد لجنة الإعلام الرياضي بجمعية الصحفيين البحرينية، ضم الزملاء رائد أيوب ومحمد قاسم.


ولا أخفي أن هذه الزيارة أتاحت لي التعرف على معاناة الشعب الفلسطيني اليومية بسبب القيود المفروضة عليه من قبل “الاحتلال” وحرمانه من أبسط الحقوق، والتي طالتنا شظاياها بعد أن تجاوزنا حدود الأردن ووصلنا حدود فلسطين التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، إذ لم يرُق للضباط والعساكر أننا نزور فلسطين من “جسر الحسين” وليس من “مطار بن غوريون” وهناك فرق جوهري وكبير!


وأستطيع القول إن الزيارة رغم ما تخللها من متاعب للحصول على تصريح السلطة الفلسطينية وتعطيل مقصود على الحدود، كانت فرصة ذهبية بالنسبة لي صحافيا، خصوصا أن الدخول لفلسطين سواء الضفة الغربية أو قطاع غزة ليس بالأمر السهل، وهذا ما أتاح لي معايشة الواقع الفلسطيني بعيدا عن الإعلام، فأنا مؤمن أن الحقيقة في قضية شائكة من هذا النوع لا يكفي أن تسمع عنها أو تشاهدها عبر شاشة صغيرة، وإنما يتطلب الأمر أن تلمسها بيديك!


والحقيقة، أن الحقيقة جسد مكتمل الأطراف وروح تتنفس، وعليك التعامل معا بضمير حي، فالضمير فطرة إنسانية خلقها الله فينا لتكون مقياسًا نسير عليه في الحياة، وكم نعتز في مملكة البحرين باحتفال العالم في الخامس من أبريل باليوم الدولي للضمير، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2019 استجابة لمبادرة الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله، إدراكًا لأهمية الضمير العالمي في تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل إحلال السلام والتسامح.


لذلك يمكنني القول إن فلسطين ستبقى قضية “محورية” لدى الأمة العربية والإسلامية مهما مضى عليها الزمن، وهذا ما أكده رؤساء وزعماء الدول العربية والإسلامية بالإجماع، رافضين بشكل مطلق التصفية والتهجير، وطالبوا إسرائيل بالالتزام بقرارات مجلس الأمن والعودة إلى مبادرة السلام العربية التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية والمتمثل في حل الدولتين، وعدا ذلك صدقوني لن ينتهي هذا الصراع بسلام دون أن يسود أرض فلسطين العدل والمساواة التي ترفض إسرائيل أن تطبقها أو تعترف بما تبقى منها!


لذلك فإن ما يحدث الآن في غزة مجزرة منقولة على الهواء مباشرة، ورغم ذلك ثمة انقسام في العالم بين مدين ومؤيد، وهذا بالتحديد ما يعيد إلى أذهاني قصة يرويها الكاتب اللبناني جبران خليل جبران في إحدى روائعه تقربنا من فهم المسألة، إذ يقول “تلاقى الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر، فقال كل منهما للآخر هل لك أن تسبح، ثم خلعا ملابسهما وخاضا العباب وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ، وارتدى ثياب الجمال ومضى في سبيله، وجاء الجمال أيضا من البحر ولم يجد لباسه وخجل كل الخجل أن يكون عاريا، ولذلك لبس رداء القبح ومضى في سبيله، ومنذ ذلك اليوم والناس يخطئون في معرفة الجمال والقبح”!


يحدث ذلك في فلسطين بشكل مستمر منذ 75 عاما، وبطريقة لا تصدق، ولأنني زرت فلسطين، أستطيع التحلي بالأمل والشعور بالأطمئنان، أن الحق سيعود إلى أصحابه ذات يوم تماما كما يقول جبران في معرض آخر من بحثه عن الحق “للبحر مد وجز، وللقمر نقص وكمال، وللزمن صيف وشتاء، أما الحق فلا يحول ولا يزول ولا يتغير”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .