العدد 5482
الأربعاء 18 أكتوبر 2023
banner
مجرد "فاشلين"
الأربعاء 18 أكتوبر 2023

الابتلاء سُنَة إلهية، إذ يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)، فنزل هذا الخطاب لكل الناس من دون أي استثناء. ويكون هذا الامتحان تارةً على صورة خير وتارةً على هيئة شر، فيقول سبحانه وتعالى (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ) وفي آية أخرى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
ومن هنا نستخلص بأن التعثر والسقوط في مسيرة حياة أي شخص شيءٌ وارد، بل متوقع، وكثيرةٌ هي الأسباب لهذا التعثر أو ذاك السقوط، فمن المحتمل أن يبتلى الإنسان بالفقر أو الخوف أو المرض أو أي شيء آخر يعيقه عن تحقيق أهدافه أو التميز.
وهنا سأسلط الضوء على سبب هو في رأيي من أهم وأكبر وأكثر الأسباب التي تحبط البعض وتقف دون نجاحهم، وهذا السبب ليس المادة أو الموارد أو القدرة، إنما هو "الفاشلون"، فما أكثرهم في هذا الزمن، وللأسف الشديد قد يكون أحد هؤلاء "الفاشلين" هو شخص من أقرب الناس لك، فلربما يكون هذا الفاشل أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو زوجاً أو زوجةً أو جاراً أو صديقاً، فتكون لديك موهبة جيدة أو فكرة ناجحة تحتاج إلى بعض الجهد والعمل، فيبتليك الله بأحد هؤلاء الفاشلين، فيقوم بتثبيطك وتقزيمك والتقليل من قدرك. ويحاول الوقوف دون نجاحك بطرق شتى إما بالفعل أو القول، وعادةً ما تكون أسباب هذا التثبيط والحرب أمراضا نفسية كالحقد والحسد والغيرة والشعور بالنقص، فتجد نفسك في وسط حرب شعواء من دون سبب، بل جرمك الوحيد هو تميزك وسعيك لتحقيق هدفك.
 وهنا يجب عليك أن تجد طريقة للتعامل مع هؤلاء "الفاشلين" الذين يتمنون جرّك لوحل فشلهم، والقرآن الكريم رسم لنا أفضل طريق للتغلب على سموم الفاشلين، فقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، فقد عاش سيد البشر في ظروف صعبة جداً، فكان فقيراً ومُحارباً من قِبل أهله وعشيرته ومجتمعه وتم وصفه بالجنون والسحر والكذب، لكنه صبر وجاهد وشق طريقه ليصل الى هدفه. فحارب بعض هؤلاء الفاشلين وأعرض عن أكثرهم، وهناك آلاف القصص لأشخاص حاربوا من أجل النجاح وتحقيق الهدف، فبعضهم دفع عمره من أجل النجاح، وهذه هي سُنة الحياة، فلكل نجاح ضريبة، فالنجاح والناجحون محاربون من قِبل الفشل والفاشلين؛ ومن القصص الجميلة الملهمة التي تتجسّد فيها أقبح صور محاربة النجاح وأجمل صور الإصرار على مجابهة الفشل هي قصة عالمة الرياضيات هيباتيا، وهي أول عالمة رياضيات في تاريخ البشرية إذ تم جرها من شعرها، ثم نزع ملابسها وجرها عارية تماما بحبل ملفوف على يدها في الشوارع حتى تسلخ جلدها، ثم إمعانا في تعذيبها، قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف إلى أن صارت جثة هامدة، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا بها النيران وكل ذلك من أجل العلم والمعرفة وبسبب تميزها عن الآخرين، فتصدى لها بعض (الفشلة) وأمعنوا في تعذيبها وطمس إنجازاتها، لكن قدّر الله بأنّ (فشلهم) يؤدي إلى (فشلهم)، وبقي اسمها وأصبحت نظرياتها أساسا علميا؛ وأما غاليليو الذي حُكم عليه بالإقامة الجبرية في منزله وأصابه العمى وكل ذلك بسبب أنه أثبت خطأ نظرية أرسطو (مركزية الأرض) وصاغ نظرية جديدة صحيحة تثبت مركزية الشمس والتي بسببها تمت محاربته واتهامه بالهرطقة، و(الفاشلون) موجودون في كل مكان وزمان. وهنا قصة نجاح أخرى لشخص شَهَرَ سيف المثابرة والتحدي في وجه الظروف الصعبة والمحبطين، فلم يستسلم طه حسين للفقر ولا الإعاقة (العمى) ولا اتهامات الفاشلين، لكنه لم يتوقف حتى تربع على كرسي النجاح وأصبح أستاذاً جامعياً ووزيراً للمعارف ولقب بعميد الأدب العربي.
لا تسمع للفاشلين وشق طريقك وتحد الصعاب ولا تيأس، وكلما سقطت لملم نفسك وتعلم من تجربتك وقف من جديد، ودائماً تذكر بأن طريق النجاح صعب وطويل ومليء بالفاشلين فلا تسمع لهم لأنهم مجرد فاشلين.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية