العدد 5472
الأحد 08 أكتوبر 2023
banner
القطاع الخاص والجامعات وما وراءهما
الأحد 08 أكتوبر 2023

ثمة ازدواجية محمودة ترتبط بها المعادلات الصعبة، محض تجارب وبعض محاولات هي التي القت بشباكها على القطاع الخاص لكي يفكر خارج الصندوق، لكي يدلي بدلوه في مشروعات ظلت سنوات طويلة في قبضة الحكومات وتحت يد القطاع العام، ثمة مفارقات وضعت هذا القطاع أمام مسؤولياته ليحشد طاقاته ورجالاته لكي يكونوا في خدمة التعليم الأكاديمي، إيمانا واحتسابا بأن رسالة العلم لا يجب أن تقدمها الدول فحسب ولكن القطاع الخاص أيضا يمكنه القيام بهذا الدور وعلى أعلى مستوى، وهناك من التجارب ما يؤكد رجاحة الفكرة ويعزز بنائيات تألقها، حيث تتلألأ في سماوات النجومية العلمية جامعات خاصة وضعت بلادها على قمة التقدم العلمي، مثل هارفارد وديوك وبرنستون ومعهد ام. آي. تي، وغيرها من الصروح العلمية الخاصة التي بدأت من تحت الصفر لتصل إلى عنان السماء. 
أصبح من الممكن تحقيق المعادلة الصعبة والفائدة المزدوجة من الاستثمار في التعليم العالي، تحقيق الربح وبناء العقول، توطين التكنولوجيا والاتجار فيها مع تجهيز الشباب لمستقبل مشرق بعون الله، الإعداد العلمي والبحثي مع التجهيز فائق الجودة لسوق العمل. 
هكذا كانت الفكرة، وهكذا خرجت من ثكنات المستحيل لتستقر في صورة جهود لمفكرين، ومحاولات لتجار وأكاديميين، ورجال أعمال متألقين ومؤمنين. التعليم العالي في بلادنا نشأ حكوميا، وكان من الصعب على المسؤولين عنه التنازل عن الفكرة القديمة الشمولية بأن التعليم مسؤولية الحكومات شأنه في ذلك شأن الخدمات الصحية والمرافق العامة جميعها، في بلدان العالم الرأسمالي المتقدمة زمنيا علينا، الدولة تخطط وتراقب، والقطاع الخاص يتولى كل شيء تقريبا، لذلك فإن الخدمات في تلك البلاد تقدمت وارتقت وتم تقديمها بأسعار حقيقية وليست وهمية، بمواصفات قياسية راقية تحاكي حاجات الواقع المتعاظمة وليس بتكاليف حدية متراجعة من حيث القيمة والسعر وحاجات المجتمع.
 رغم ذلك أصبح لدينا أكثر من ١٦ جامعة خاصة، بدأتها الجامعة الأهلية في العام 2001 بعد أن باركها المشروع الإصلاحي الكبير لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم في الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني، عندما اعتبر أن الجامعات الأهلية والخاصة منارات ومراكز إشعاع علمي وحضاري، ولابد من التشجيع على إنشائها. بعد ذلك عاشت الجامعات الخاصة سنوات من العسل والتألق، والعطاء والأداء والتطور مستقطبة الآلاف من الطلبة القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة، إلى جانب زملائهم البحرينيين وعدد من الطلبة الأجانب. بعد هذا الواقع المفرح جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، ودخل على المنظومة أشباح من عدم التفهم والتفاهم والاستيعاب الكامل لطبيعة العمل الأكاديمي، لدوره في توجيه بوصلة المجتمع، لرسالته المقدسة من أجل بناء العقل النوعي للأمة، وتخريج أجيال واعية بمسؤولياتها متفهمة لأدوارها، بل وهاضمة للتقنية وثورة التكنولوجيا الفائقة وأدبيات الماورائيات المؤثرة. 
كانت الفجوة واسعة بين أطراف المنظومة، والفهم قاصر على أدبيات وتقاليد بعينها، ما دفع بالجامعات الخاصة إلى نفق استثنائي صعب، بل إلى عنق زجاجة كان من الصعب تحقيق المرور السلس منه. 
وها نحن اليوم نعيش أياما جديدة والمياه تعود إلى مجاريها ويعود التفاهم بين أطراف المنظومة، والتعاون والتنسيق إلى سابق عهده، والأمل والطموح إلى شرايين الدماء التي كادت أن تجف في العروق، آملين ومتأملين في مستقبل أفضل، وعالم أجمل، وصدور أكثر اتساعا وإيمانا برسالتنا، والله الموفق والمستعان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .