يفضل غالبية المشاهدين أنواعاً محددة من الأعمال، ما بين الكوميدية والتراجيدية وغيرها من تصنيفات، ومن الناس من يشاهدون الأعمال وفقاً لأمزجتهم الوقتية؛ فتارة يفضلون مشاهدة أعمال الرعب، وتارة أخرى الحركة، وهلم جرا. تستحوذ أعمال الجريمة على نصيب لا بأس به من المشاهدات بشكل عام، لاسيما إن كانت القصص واقعية، وقد أجريت قبل أعوام دراسة بعنوان (اتجاهات الجمهور البحريني نحو الدراما الخليجية بالفضائيات العربية)، وخلصت إلى أن أهم دافع لتعرض الجمهور البحريني للدراما الخليجية كان اعتماد المسلسلات الدرامية على قصص واقعية تعبر عن قضايا المجتمع الخليجي، وذلك بنسبة (20 %).

الأعمال التي تصنف على أنها واقعية، لا يعني أنها واقعية تماماً؛ لأن في مفهوم كتابة السيناريو هناك ما يسمى بالضرورة الدرامية، وهو مبرر وحيلة يلجأ إليها الكتاب؛ لأن الحقيقة قد لا تعرف بكل تفاصيلها، خصوصاً إن كانت بين جدرانها الأربعة، وربما حكيت منقوصة أو محرفة أو لا يعلم بأمرها أحد من الأحياء، فيُلجأ بذلك إلى وضع افتراضات يحاكيها عقل الكاتب ومخيلته.

يعرض هذه الأيام مسلسل على منصة شاهد يدعى (سفاح الجيزة)، وهو عن قصة حقيقية تحكي تفاصيل جرائم قتل وحشية، وقد أعجبت شريحة كبيرة من الناس بالعمل، ونال المركز الرابع في رصيد المشاهدات - حتى كتابة هذا المقال - في مملكة البحرين، في الوقت الذي أثار فيه لغطاً كبيراً بسبب دمويته.

لسنا بصدد انتقاد فني للعمل، بل مجرد طرح لوجهة نظر حول الأعمال المشابهة؛ فالذين أعجبوا بالعمل لهم مسوغاتهم الخاصة، بينما من وجهوا الانتقادات للعمل بأنه وحشي، ويُعلم على الجريمة وطرق ارتكابها، وما إلى ذلك من انتقادات، فإن عند النظر إلى مثل هذه الأعمال من وجهة نظر إيجابية ترى العبر، وهي هدف أساس للسرد وتسليط الضوء، وجديرة بحماية الأسر والمجتمعات من الجرائم، كل ذلك في الوقت الذي لا تنفك فيه الكثير من القنوات ومنصات الإنتاج حول العالم عن بث قصص متناهية في الإجرام، وهو ما لا يسوغ لبث مزيد من الأعمال المشابهة من قبلنا، بل إلى وضع تنويهات وضوابط ضرورية مثل الضوابط العمرية وغيرها، مع استمرار تقديم الفن لرسالته، بطرح التنوع المطلوب في القصص، بعيداً عن التجاوزات، وهو ما يخلق بيئة صحية، ليست محفزة لارتكاب الجريمة، بل ناصحة وموجهة إلى الخير بشرط أن يكون ذلك حاضراً في الأذهان أثناء عملية الإنتاج.

* كاتب وأكاديمي بحريني