ساهمت “الحتمية التكنولوجية” في فرض سلوكيات استهلاكية جديدة على شريحة واسعة من الجماهير، حيث نجد تطبيقات توصيل الطلبات تحفز الرغبات الصارخة في اختيار الوجبة القادمة من المطعم الفلاني، خوارزمياتٌ محكمةٌ تطرحك في غرام التطبيقات، ورشوةُ التخفيضات الكبيرة على الأسعار المعتادة البداية لخلق وترسيخ سلوك يجعل منك المدمن الجديد على هذه التطبيقات واستهلاك ما تقدمه لك من خيارات، فهي سهلة، لا تكلف سوى ضغطة زر فقط وأنت جالس خلف الشاشة لتشبع رغبتك في الطعام، الزبائن يتم شحنهم وتشويقهم في مختلف تطبيقات التواصل، والتي تغص بمراجعة خبراء الطعام بمختلف أنواع الوجبات، وبسردٍ مشوقٍ لـ “قرمشة” المقليات، و”نطعة” الصلصات، و”نهنهة” اللحوم.. إلخ، إنها لوحةٌ فنيةٌ سرعان ما تُغري في طلبها من تطبيقات توصيل الطلبات، فأين المشكلة في كل ذلك؟ وهل هناك خطب ما؟

المشكلة أن إدمان تطبيقات توصيل الطلبات يستنزف أموالك، وباتت تلك التطبيقات تزاحم المطاعم في أرباحها، فهل تعلم أن أحد التطبيقات العاملة في البحرين حقق ما تعجز الكثير من البنوك عن تحقيقه من أرباح؟ هل تعلم أن السلوك الذي تَرَسّخَ في الطلب من هذه التطبيقات، جعلها تفرض نسبًا من الأرباح على أصحاب المطاعم بشكلٍ تصاعديّ، وكثيرًا ما تطالعنا الصحف ومواقع التواصل بشكوى أصحاب المطاعم وطلبهم من الجهات المعنية التدخل لإيقاف الزيادات التي تفرضها عليهم هذه التطبيقات، حتى وصلت إلى أكثر من ربع إجمالي المبيعات، وقد تسبب ذلك في إغلاق الكثير من هذه المطاعم بشهادة أصحابها أنفسهم، فالزبائن باتوا لا يرغبون في التوجه للطلب من المطعم، ما يؤكد أن وسائل الاتصال المتمثلة في التطبيق على الهاتف النقال أصبحت تمثل امتدادًا لحياتهم في العالم الافتراضي الذي يقضون فيه معظم أوقاتهم، ولا خيار لهم عنه، ما يفرض على الكثير من المطاعم الرضوخ لشروط تطبيقات التوصيل المجحفة، حتى لا تفقد الجزء الأكبر من شريحة الزبائن، فنتج عن ذلك ارتفاع أسعار الوجبات.

إننا نعيش اليوم واقعًا جديدًا يوجب تحرك الجهات المعنية لإعانة أصحاب المطاعم، وكبح الآثار السلبية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وخسارة هذه المطاعم، وإلا فإن ذلك يعني استمرار سيطرة هذه التطبيقات العابرة للحدود، واستنزافها الناس والمطاعم على حد سواء، وغير خافٍ أنها نجحت في احتكار السوق بعد إزاحة تطبيقات التوصيل البحرينية، والتي لم تتمكن من منافستها في ظل ضخامة رؤوس الأموال القادمة من الخارج، فهل سنرى تحركا سريعا من الجهات المعنية؟

* كاتب بحريني