يتحقق ما يسعى إليه الإنسان من تغيير فردي ومجتمعي برغبته وصِدقه في ذلك، ولا يمكن أن يحدث التغيير في المؤسسات والشركات إلا إذا تغيرت عقلية الأفراد الذين يُديرونها، وهي البداية الأولى لصناعة التغيير، ويحتاج ذلك إلى بناء العقل العِلمي الواعي المدرك لحقيقة الأمور من حوله، وإلى تحرير العقل من الحفظ والتلقين، وبناء أسس ناهضة للتفكير الحُر الإيجابي.

لقد منح الله تعالى الإنسان قدرات عقلية وذهنية يستطيع من خلالها صناعة التغيير وقيادته، وبها يستطيع التصدي للتحديات وتخطي العقبات وإدارة الأزمات، واتخاذ قرارات سليمة في المواقف الصعبة، والتي تجعله يتقدم إلى الأمام بخطوات ثابتة ورؤى واضحة، ومن خلال عقلية الإنسان المتفتحة التي تتقبل كل الخيارات وتناقشها وتفندها، يؤول ذلك لتحقيق وقيادة التغيير المنشود، ومن بين تلك المهارات ــ لبناء العقل ــ الإيمان بمبدأ الاختلاف في الرؤية والرأي، لأن تطابق الأفكار جميعها حالة مستحيلة، فمبدأ الاختلاف طريق صائب للمسار الإنساني، وعند استثماره بصورة جادة وفاعلة يتحقق الإبداع والابتكار للفرد والمجتمع والدولة. وكما يحتاج الإنسان إلى الغذاء السليم لبناء طاقة سليمة يحتاج أيضًا إلى تغذية عقلية حتى لا تفقد اللحمة الإنسانية والمجتمعية توازنها، فبناء العقل وتأسيسه يعتمد على الثقافة والقراءة التي بدونها لا يستطيع الإنسان بناء عقلية منفتحة تتقبل الأفكار المختلفة، وتتعرف على فضاءات وآفاق جديدة، فنحن كأفراد وأمم نحتاج إلى هذا الطريق، طريق بناء عقلية علمية ناضحة، تأخذ من العِلم سلاحًا، ومن قبول الآخر منهجًا، ومن القراءة طريقًا، وهو الطريق الذي يؤدي إلى التنمية الإنسانية، وللأسرة دور باهر في القيام بغرس مبادئ الثقافة العربية وقِيمها وتقاليدها النبيلة في نفوس أبنائها، وكذلك وسائل الإعلام الإيجابية ووسائل التربية والتعليم والمؤسسات المجتمعية، فتكاتفها جميعًا يُحقق التغيير الإيجابي الهادف في مجتمعنا العربي.

فصناعة العقل البداية الصحيحة لإحداث التغيير الإيجابي، وبناء العقلية الإنسانية المنفتحة يتم عن طريق تحرير العقل وتبني التفكير الحُر الإيجابي الذي يمنح الإنسان حزمة من القدرات الذهنية التي تجعله قادرًا على مواكبة العصر الحديث وتعزيز مهاراته العقلية وتنميتها. كما على الإنسان أن يستعين بتجارب الآخرين من أفراد ومجتمعات والاستفادة منها في المجالات كافة.

* كاتب وتربوي بحريني