العدد 5438
الإثنين 04 سبتمبر 2023
banner
تركوا عشهم البريء قبل النضوج
الإثنين 04 سبتمبر 2023

قضية الخلق والإبداع شيء، والأسلوب الجديد في العمل الأدبي شيء آخر، وأن تأتي بأشكال جديدة، فهذه مغامرة لا تحدها حدود ولا تأبه بقاعدة، ولزاما أن يكون صاحبها عبقريا وبمهارة صناعية من نوع جديد.
نتفق مع من يحاول أن يزدهر ويكبر في عالم الأدب، لكن من غير المقبول والمنطقي أن تخرج علينا دعوات من كتّاب قصة شباب تدعي أن قصصهم تحمل بذور تطور القصة القصيرة في البحرين، وأن ما يكتبونه جديد في المضمون والشكل، والكفاءة الفنية، شباب نصبوا أنفسهم بمستقبل حركة التجديد بعد أن عاشت القصة القصيرة في الاغتراب والضياع خلال سنوات طويلة، وأنهم الوحيدون القادرون على الكشف عن آفاق التطور بنتاج أدبي مغاير سيرسم الطريق للأجيال القادمة.
الغريب في الأمر أن هؤلاء الصغار يهجرون ويتركون عشهم البريء إلى المدينة قبل النضوج، ويعتقدون أن بإمكانهم عبور النهر في قلب الظلام الرهيب، حتى إن أحدهم صار يقلد علما من أعلام القصة والرواية العربية في لباسه، وطريقة مشيه، وربما حتى أمراضه الجسدية.
ولعل تعليق الأديب السوري الكبير زكريا تامر خير رد على هؤلاء حينما قال عنهم: “أعمال أدبية كثيرة سقطت سقوطا شنيعا لأنها حاولت أن تأتي بأشكال جديدة، غير أن رؤيتها للحياة كانت تقليدية، فجاءت بشخص أراد أن يصبح منتميا إلى العصر، فوضع على رأسه قبعة وحمل غليونا، وهذا خطأ يعبر بصورة عفوية عن أزمة الطبقة المثقفة، فهي متحررة نظريا في تفكيرها ورجعية في سلوكها اليومي. تاريخ الأدب شاهد على أن التجديد في الشكل الفني لم يحدثه سوى أصحاب المواهب الأصيلة، أما أصحاب المواهب الصغيرة، فهم يقلدون ويثيرون الضجيج والغبار، ويحاولون الجلوس على كراسي ليست لهم، وقد ينجحون لأمد قصير، لكن الزمان قاض صارم، فيلقي بهم في سلة المهملات ليغطيهم غبار لا يمكن التخلص منه”.
أتمنى حقيقة أن يتجاوز نقادنا مرحلة التذوق إلى مرحلة التحليل المنهجي لما يكتبه هؤلاء الخارجون من عشهم البريء.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية