تُعدّ زيارة سبط الرسول الكريم (ص) الحسين بن علي (ع) من قريب أدنى أو بعيد أقصى والبكاء والجزع عليه وإنشاد الشعر فيه وإقامة المجالس الرثائية عنه، من جملة الشعائر الحسينية التي أوجدها المنبر الحسيني، وأحدث تغييراً ملموساً فيها على مستوى الفرد والمجتمع بدوره الفاعل في إصلاح الفكر والثقافة وقناعات المجتمع. فهو هوية جميع الطوائف الإسلامية عامة، وواحد من أهمّ القنوات الإعلامية والتبليغية والتثقيفية والتعليمية والترويجية والتوجيهية والنقدية التي تُوصل الفكر الصحيح، وتُبيّن العقيدة الحقيقية، وتنقل المعلومة التاريخية بصدق وأمانة، وتطرح مختلف القضايا الاجتماعية والعقدية والتربوية التي تُبث على شاشات التلفزة الفضائية والقنوات الإعلامية، مُخلّفة أثرها الفاعل في نشر المبادئ والقيم الأخلاقية التي تعتمد على الدليل القائم والبرهان القاطع.
ويكتسب “تقعيد” المنبر الحسيني أهمية كبرى أمام التعدد الكبير لأدوات الإعلام وآلياته ووسائله، والذي يعتمد فيها على الأُسس النهضوية في خلق عملية اجتذاب المُتلقي وتطوير واقعه الذاتي والمجتمعي، وفق قواعد وعلوم تبدأ بتوثيق الدليل وتقييم الرواية في إثراء المادة المنبرية وتنويع مضامينها وتشويق السامع ورواد المجلس على تنوع مداركهم واختلاف مستوياتهم وتناغم أمزجتهم التي تصل بالمنبر إلى أن يتحول إلى “مكتبة متنقلة” ترتقي بجمهور المُتلقين معتمدة على القرآن الكريم والسنّة النبوية وعلوم أهل البيت التي دائماً ما تُستفتح بآية أو رواية لتنقل من خلالها الوقائع والأحداث من مصادرها التاريخية المُنقاة من التحريف والانحراف.
نافلة:
تفصلنا ثلاثة أيام عن ذلك اليوم الذي تتجدد فيه أحزان فاجعة “الطّف” الأليمة التي جرت أحداثها على سوح كربلاء القائضة قبل 1384 سنة مضت، ألا وهي “ذكرى الأربعين” التي يتوافد فيها آلاف المسلمين في العشرين من شهر صفر المظّفر عام 61هـ، من كافة أنحاء العالم، في مواكب عزائية متُوجهين إلى مدينة كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام حاملين الرايات المُعبرة عن الحزن الشديد على مقتل السبط الشهيد وأهل بيته وأصحابه.
هذه الذكرى تبرز فيها كثير من السجالات وتتجدد حولها النقاشات، ولاسيّما في قضية الشعائر الحسينية التي تعود في جملتها للروافد الفقهية العالمة الورعة بعيداً عن الآراء المُستبدة والطروحات المُستفردة في سبيل تنقيح هذه الشعائر وفق مصاديقها الدالة على مواساة آل بيت النبوة وإحياء أمرهم، والتي أكدّ عليها صادقهم (ع) في قوله: “أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا”.
* كاتب وأكاديمي بحريني