العدد 5429
السبت 26 أغسطس 2023
banner
تُراثنا "النخلاوي".. إلى أين؟
السبت 26 أغسطس 2023

من الأشجار التي تُصنّف "المعمّرة" وتعيش أكثر من قرن من الزمان، وهي من فصيلة النباتات المزهرة - ومن عائلة أحاديات الفلقة – التي تتكون من جذع طويل نحيل رمادي اللون وأوراق إبرية مُقوّسة ذات طرف حاد صلب وأزهار بيضاء أو صفراء قشدية ذكرية وأخرى أنثوية، تبدأ مراحل نموها بإنتاج الثمار كالحَصَل والبَلَح والبسْر والرُطب والتّمر، وتموت بعد أنْ يظهر على ساقها وسعفها وحراشفها الذبول والجفاف. إنّها من الأشجار المباركة التي تُمطر بخيرها على الإنسان والحيوان والطيور والبيئة في كل فصول السنة، وهي التي حنّ جذعها إلى النبي الأكرم (ص) حين فارقها شوقاً إليه، وهي التي نزلت تحتها السيدة مريم العذراء (ع) وأكلت من ثمرها حتى سهلتْ ولادتها. 
إنّها "النخلة" ولا ريب لكثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها، والتي لم يكن للقدماء من أجدادنا غِنَى عنها في كل المواسم، فهم من زرعوها في كل ركن وطوّعوا أجزاءها – مثالاً لا حصراً - في صناعة السلال و"الجَفِيْر" أي الكيس و"المهفّة" أي المروحة و"الحصير" أي الفراش و"الكَفَار أو الفَوالة" أي سفرة الطعام و"العَسْو" أي المكنسة و"المَكبّة" أي غطاء الطعام و"المَكحلة" لحفظ أدوات زينة المرأة و"العريش" أي الغرفة و... إلخ، إلى أنْ حلّتْ بكل أسف – في وقتنا الحاضر - ضيفاً على المزارع والبيوت والطُرُقات والمهرجانات بعد أنْ استُعيضَ عنها بالمنتجات الصناعية البديلة بالرغم من أسرارها المُثيرة وعجائبها الغريبة كالإنسان في الاستقامة والاعتدال إذا ما قُطع رأسها ماتت، وإذا ما قضى زارعُها تأثرّت. فهي تعيش عمرها المديد بقدّها الطويل وذَكَرِهَا الممتاز وطَلْعِها الرّواح وغلافها اللّواح، وهي إذا ما تقاربت ذُكُورها حَملَتْ، وإذا ما شَرِبَتْ عَذْبَ الماءِ تغيرّتْ، وإذا ما مرضت يُقطّع أسفلها تَخَللَتْ، وإذا ما مالتْ على معشوقها بسعفها تعلّقتْ.

نافلة:
تبوأت شجرة "النخلة" مكانة متميزة في وجدان الإنسان البحريني، وتمثلّتْ بوضوح في موروثه الثقافي الذي تغنّى به الفنانون والشعراء والأدباء البحرينيون الذين تناولوها في لوحاتهم وقصائدهم ومؤلفاتهم وأمثالهم الشعبية، وأبرزوها في مسابقاتهم واحتفالاتهم ومهرجاناتهم ومؤتمراتهم الموسمية والسنوية التي أسهمت في جانب منها في الحفاظ على النخلة وإعادة الحياة لها، لما اشتملت من رمزية مشتركة بين البحرينيين أنفسهم وما فيها من سيرورة لمسيرة الآباء والأجداد، يمثّلها منظر ذلك الفلاح الذي يهتم بالنخلة ويُوليها اهتمامه الشديد حتى أنتج بمرور الزمن تاريخاً وموروثاً شعبياً غنياً لا يُضاهى.

كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية