العدد 5426
الأربعاء 23 أغسطس 2023
banner
البحث العلمي.. الفريضة الغائبة
الأربعاء 23 أغسطس 2023

لعله من نافلة القول انه ما من أمة من الأمم أحرزت تقدما على صعيد عالمها الخاص، اقتصاديا كان أو عسكريا، إلا من خلال توافر العلوم والمعرفة، وهي العملة الجديدة التي تفوق البنكنوت والذهب، فقد أصبح الاستثمار في البشر أكثر استدامة من نظيره في الحجر.
ولعل بعض الأمثلة الغربية والشرقية تبين لنا الأثر الخلاق الذي يفعله البحث العلمي والإنفاق عليه بين الأمم والشعوب، خير مثال على ما نقوله الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعتبر مسألة البحث العلمي قضية حياتية، ومسألة وجود، وقد عرف الأميركيون فضل ذلك البحث في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية عام 1945، غداة انكسار جيوش النازية، وسقوط ألمانيا، وساعتها استقطبت الولايات المتحدة الأميركية جل علماء ألمانيا، وكان لهؤلاء السبق في تطوير الصناعات الأميركية المدنية والعسكرية. قبل بضعة أعوام صدر في الداخل الأميركي تقرير يحمل عنوان "مستقبل مؤجل: تراجع الاستثمار في مجال البحث العلمي يهدد الابتكار الأميركي بالعجز"، والشاهد أن ما ذهب إليه أصحاب هذا التقرير هو أن تقليص الإنفاق على مجالات البحث العلمي الأساسية، يؤدي إلى تعطيل التقدم في 15 ميدانا، تتعلق بإنقاذ حياة البشر، بدءا من الإنسان الآلي وطاقة الاندماج النووي، وانتهاء بمرض الزهايمر وقطاع الزراعة.
ماذا عن الاستثمار في البحث العلمي في عالمنا العربي؟ يمكننا الإجابة بالإشارة إلى مرحلتين، الأولى كانت في صدر الحضارة العربية، والثانية في الوقت الراهن. أما الأولى فقد كانت مرحلة زمنية زاهرة رائدة، وضعت فيها أمام العلماء كل الإمكانيات التي تسهل لهم الانطلاقة في فضاءات الكون، ولهذا ملأوا العالم باختراعاتهم ومنجزاتهم التي غيرت مجرى التاريخ، ويكفي استحضار قصة الساعة الرملية التي أرسلها هارون الرشيد إلى الامبراطور الألماني شارلمان، واعتبر الأخير أنها مسكونة بالأرواح والعفاريت ولهذا تصدر أصواتا بعينها، من دون أن يدري أنها نتاج بحث علمي وصل إليه العرب.  والثابت أن مقارنة أحوال البحث العلمي في ذلك الوقت بما هو حاصل الآن لن يصب بحال من الأحوال في صالح زمننا المعاصر، فقد بدت مسألة الاهتمام بالبحث العلمي في الحواضن العربية مؤجلة أو متأخرة بكثير عما سبق، أو بالمقارنة ببقية أرجاء الكرة الأرضية.
ما هي المجالات التي يمكن للاستثمار في البحث العلمي أن يغير من خلالها واقع ومستقبل العالم العربي؟
الشاهد أن المجالات عريضة وواسعة، تبدأ من عند البحوث الطبية وأهدافها المختلفة، كالسعي للوقاية من الأمراض المتنوعة لاسيما العضالة، واكتشاف أنواع جديدة من الأدوية القادرة على مكافحة الأمراض المتوطنة.
هناك كذلك مجال البيئة، حيث باتت الأزمة الإيكولوجية مهددا رئيسا حول العالم، فيما البحث العلمي يمكنه أن يخفف وطأة ثورة الطبيعة كمساعدة الحكومات في تنقية الهواء، وتخفيض درجات الحرارة. 
البحث العلمي في عالمنا العربي يقودنا من دون أدنى شك إلى سبل الطاقة النظيفة، وفي المقدمة منها الطاقة الشمسية الكفيلة بتغيير وجه المنطقة العربية، وتصدير الفائض إلى العالم الخارجي.
ما الذي يعوق الاستثمار في البحث العلمي في عالمنا العربي؟
ربما عدم إعطاء السياسات العلمية للبحث والابتكار دورا مهما في الخطط التنموية والاجتماعية للبلدان العربية، وضعف الإنتاج العلمي العربي، وتحويله إلى منتجات ذات قيمة مضافة للتنمية الاقتصادية.
السؤال الأهم قبل الانصراف: "هل قضية الاستثمار في البحث العلمي، تتعلق بالحكومات فقط، أم أن المجال أوسع وأعرض من ذلك بكثير؟
الشاهد أنه إذا نظرنا بعين متأنية لتقارير اليونسكو المختلفة، نجد أن الشركات المختلفة والمؤسسات الاجتماعية، والهيئات المدنية الغربية، كلها باتت روافد رئيسية في زخم مسألة البحث العلمي، وبحيث لا يبقى الأمر متصلا بالمجال الحكومي على أهميته، ما يجعلنا نعيد التفكير عربيا في مسألة دعم الاستثمار في البحث العلمي، وحتى لا يظل "فريضة غائبة". 

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية