العدد 5419
الأربعاء 16 أغسطس 2023
banner
العرب والصينيون.. جذور تاريخية وأواصر ثقافية
الأربعاء 16 أغسطس 2023

هل العلاقات العربية الصينية، وليدة الأمس واليوم فحسب، أم أن لها جذورا تاريخية عميقة، ونشأت على أواصر ثقافية راسخة أيضا؟ بالرجوع إلى السجلات التاريخية الصينية، نجد أن أول مبعوث عربي وصل إلى الصين كان موفدا من الخليفة الثالث عثمان بن عفان، والذي التقى امبراطور الصين عام 651م، في العاصمة شيان، وحمل له رؤية وتصورا عن تعاليم الدين الجديد، ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة من التعاون الخلاق بين العرب والمسلمين وبين الصينيين، سيما بعد أن انتشر الإسلام هناك، حاملا معه معالم وملامح ثقافة عربية لها خصوصيتها الخاصة جدا.
ذكر الرحالة العربي "ابن بطوطة"، أنه رأى في الصين نحو 60 مسجدا، يرجع تاريخها إلى بدايات الإسلام في القرن السابع الميلادي، وتجمع بين مميزات العمارة الصينية التي تقوم على الأخشاب وجمال الرسومات العربية التقليدية التي تنشد فنونا تراثية إسلامية، ولعل المتحف الثقافي والإسلامي الكبير في مدينة "شوأنتشو" على الساحل الجنوبي الشرقي للصين، يؤكد أن جسرا ثقافيا ما كان قائما بين المجتمعات القريبة والضيقة، خصوصا في "نينغشيا" على طريق الحرير القديم بمقاطعة شينجيانغ.
عبر قرون طوال تضاعفت ثم تضاءلت تلك العلاقات، وكان أن أحيتها حركات التحرر العربي، وعلاقة الصين بعدد كبير من العواصم العربية، والاعتراف المتبادل بالسيادة القومية والوطنية للدول والبلدان في تلك الفترة، غير أنه ومع حلول نهايات السبعينات ولأسباب عديدة ولى غالبية العالم العربي وجوههم شطر الغرب، اقتصاديا، وعسكريا، ثقافيا وفكريا، إلى أن كانت السنوات الأولى من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين جرس إنذار، لخطورة التعاطي مع العالم بعقلية ثقافية أحادية، أي ثقافة الغرب.
"هل الصين مهتمة بالفعل بتشييد الجسور بينها وبين العرب، لاسيما الجسور الثقافية والفكرية؟ نهار الثالث عشر من يناير من عام 2016، أصدرت الحكومة الصينية، وثيقة هي الأولى من نوعها التي تصدر حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، استعرضت خلالها الروابط التاريخية التي تجمع الصين بالدول العربية، والسياسات ومجالات وآفاق التعاون المشترك. الوثيقة لفتت إلى أن جذور الصداقة بين الصين والدول العربية، تمتد بعيدا في أعماق التاريخ، وأن الأمتين العربية والصينية مرتبطتان بطريق الحرير برا وبحرا على مدى أكثر من ألفي عام مضت، وقد بقيت قيم السلام والتعاون، الانفتاح والتسامح والتدارس، التنافع والترابح، سائدة في التواصل بينهما.
هل تقبل العالم العربي الدعوة الثقافية الصينية؟
الثابت أن السنوات القليلة الماضية شهدت حالة واضحة من الانفتاح الإيجابي والخلاق على الصين، في العديد من العوالم والعواصم العربية، سواء كان ذلك عبر ترجمة متبادلة لآداب وعلوم وفنون الصين إلى اللغة العربية أو العكس من ذلك، أي الاهتمام بالترجمات العربية إلى اللغة الصينية.
لعل الانفتاح الصيني الحديث على العالم ثقافيا ومعرفيا، يمكن أن يساعد العالم العربي في تحقيق المعادلة الصعبة، أي استلهام روح التراث الصيني، ومن ثم البناء عليها برؤية وأدوات عصرانية، ومن هنا جاءت التجربة الفكرية الصينية خالية من الوقوع في فخ التغريب.
لقد تنبهت جامعة الدول العربية مبكرا لأهمية التبادل الثقافي بين العالم العربي والصين، وقد بلورت عبر العديد من أوراقها الكثير من الأهداف والآليات المقترحة لتفعيل التعاون سيما بين الشباب من الطرفين، عن طريق تنظيم رحلات ثقافية صينية عربية على طريق الحرير، وتشجيع الفرق الفنية الصينية والعربية علي تبادل الزيارات، وكذلك فتح مراكز ثقافية تقوم بتدريس اللغتين الصينية والعربية وآدابها في الجانبين، والتعريف بثقافة الآخر وتنظيم المزيد من الندوات. هنا كذلك تلعب وسائل الإعلام من صحافة وإذاعات وتلفزة دورا تقدميا في تعريف كل جانب بالآخر، والأفكار عديدة والآفاق رحبة واسعة.
أفضل ما يمكن للعالم العربي تعلمه عبر المثاقفة مع الصين هو فكرة المراكمة على التراث والانطلاق منه نحو آفاق الحداثة.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .