العدد 5405
الأربعاء 02 أغسطس 2023
banner
أميركا دولة علمانية أم دينية؟
الأربعاء 02 أغسطس 2023

أحد الأسئلة التي تتردد بين الحين والآخر، لاسيما قرب الانتخابات الرئاسية: "هل أميركا دولة مدنية أم دينية"؟
بحسب الدستور، تبدو أميركا كدولة ذات طبيعة مدنية علمانية، تفصل بين التيار السياسي الحاكم، أي نظام السلطة، وبين قضية الإيمان والمعتقد، فلا تفرض شروطا دينية إيمانية على من يتطلع لشغل وظيفة ما، وما من نص قانوني أو دستوري يسمح بتلاوة صلوات مذهب معين خلال ممارسة الحياة العامة، لكن على الرغم من ذلك، تبدو الولايات المتحدة الأميركية غارقة في الهوى الديني حتى أذنيها، الأمر الذي يطفو على سطح الأحداث في لحظات كثيرة كاشفة، وبنوع خاص حين تشتد الأزمات الحياتية أو تدلهم الخطوب القهرية.
هل مشهد أميركا الإيمانية مشهد حديث أم أنه ضارب بجذوره في القدم، كدولة للرب؟ مؤخرا ارتفعت من جديد بعض الأصوات اليمينية في الداخل الأميركي، تطالب بإقامة دولة الرب المسيحية، ذات الجذور اليهودية، والمثير أن هناك آلافا ينضمون لهذا التيار الجديد يوميا، وبشكل جماعي يؤذن بتغيرات جوهرية في العقلية الأميركية. تتمركز الدعوة الجديدة، في مدينة ناشفيل بولاية تينسي الأميركية، ويقودها القس غريغ لوك، والذي ينتمي إلى ما يعرف بالكنيسة الخمسينية، ينشط القس غريغ لوك، محاولا إحياء حركة التجديد الإيماني، ويعتبر أن الوقت الحالي هو الموعد المرتقب لتجديد روح أميركا المسيحية المتماسة مع اليهودية.
المثير للغاية أن حركة غريغ لوك تجد نظراء لها في ولايات أميركية أخرى، حتى إن اختلفت الأسماء، فيما الأمر الأشد خوفا هو إيمان تلك الجماعات بالعنف، كطريق للتغيير. هنا ربما يتوجب على الذين تابعوا أحداث نهار السادس من يناير عام 2021، أي اليوم الذي جرت فيه محاولات اقتحام الكونغرس، أن يتذكروا وجود أعلام ذات هوية مسيحية يمينية قديمة، وسط تلك الغوغاء التي تبعت الرئيس ترامب، وحاولت إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية 2020. تعتقد هذه الجماعات أن "الرب له خطة خاصة للولايات المتحدة"، ومن هؤلاء القس "كين بيترز"، وهو بدوره مشرف على جماعة أخرى تدعى "الكنيسة الوطنية"، بولاية تينسي أيضا.
من التعبيرات الأكثر شهرة التي تصف الشعب الأميركي، فكرة "تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة"، بمعنى السعي في طريق الشيء ونقيضه مرة واحدة. 
في الولايات المتحدة، تعد حرية الدين حقًا دستوريًا محفوظًا نصّت عليه فقرات الدين في التعديل الدستوري الأول، وترتبط حرية الدين أيضًا ارتباطًا وثيقًا بمبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة، وهو مفهوم دعا إليه مؤسسو المستعمرات، مثل الدكتور جون كلارك وروجر ويليامز وويليام بن، والآباء المؤسسون اللاحقون مثل جيمس ماديسون وتوماس جيفرسون.
وعلى الرغم من أن هذه الثوابت لم تتغير بالفعل، إلا أن الحضور الطاغي لفكرة الدين والتدين، تطل بوجهها من كل النوافذ والأبواب الأميركية. 
من أفضل التعبيرات التي تصف المشهد الديني الأميركي، القول إن "أميركا أمة بروح كنيسة"، ونجده طي صفحات كتاب "أمة اليمين.. قوة المحافظين في أميركا"، لمؤلفيه، جون ميكلثوايت، وأدريان وولدريدج".
ما هو مستقبل الحضور الديني في الداخل الأميركي؟
الجواب من خلال الأرقام الإحصائية لمعهد "بيو" الموثوق في الولايات المتحدة، وقد قدم خبراؤه دراسة عام 2015 تتعلق بحالة العالم الدينية في 2050 نخلص منها إلى توجهات مثيرة حيث تتغير الأرقام، فعلى سبيل المثال ستنخفض أعداد المسيحيين إلى ثلثي السكان بعد أن كانوا يمثلون في العام 2010 خمسة وسبعين في المئة من سكان البلاد، كما أنه خلال 35 سنة ستحل الديانة الإسلامية كثاني أكبر ديانة في البلاد، لتتجاوز البوذية واليهودية والكثير من الطوائف الأخرى.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية