العدد 5402
الأحد 30 يوليو 2023
banner
الملك والتاريخ ودور الجامعات
الأحد 30 يوليو 2023

قالها مليكنا المعظم واضحة “لا ريب فيها”: ضرورة تحري الدقة عند كتابة تاريخ البحرين، حتمية اعتماد المصادر الموثوقة، والأدلة الدامغة قبل الشروع في توثيق حركة الحياة البحرينية مثلما صنعها آباؤنا وأجدادنا.
هكذا كانت كلمات جلالته محددة وقاطعة عند التقائه حفظه الله ورعاه قبل أيام في قصر الصافرية عددا من كبار المسئولين.
كان جلالته حريصًا على أن ما يكتب لابد وأن يُعبر عن شخصية مملكة البحرين وهويتها العربية الإسلامية الأصيلة، تمامًا مثلما كان حرص جلالته كبيرًا وهو يتحدث عن الأمانة في نقل الأحداث، وعن النزاهة في كتابة المواقف وصياغة مجرياتها.
إن هوية البحرين واضحة وضوح الشمس، وشخصيتها التي ترسخت وثبت يقينها عبر العصور أصبحت لها معالم بارزة وبصمات آثرة، ملامح لا تخطئها العين، التعايش والتسامح أحد مكونات هذه الشخصية، الكرم والأصالة والثبات على الأصول والتشبث بالجذور والثوابت ملمح آخر ينبغي التعامل معه بدقة متناهية ونقل موضوعي محدد.
تحدث جلالته أكثر فأكثر عن الأقلام التي قد تضل والوثائق غير الدقيقة، والمطارحات غير الواعية بأولويات أمتنا، وخصوصيات بلادنا.
من هنا كان لابد وأن نلتقط طرف الخيط، أن يكون لجامعاتنا دور في صياغة الشخصية الوطنية البحرينية المعاصرة، وكيف أنا خرجت من رحم الأحداث التاريخية المتراكمة، منذ حضارات دلمون وأوال وتايلوس وأرادوس مرورًا بالعصور التي سبقت كتابة التاريخ العربي والإسلامي الحديث، انتهاءً بالحقبة التي تم خلالها بناء البحرين الحديثة تحت حكم آل خليفة الكرام.
إنها ملاحم تراثية حفرت مجاريها في مياه متحركة، ووسط منابع شديدة الخصوبة؛ كونها نهلت من حضارات مختلفة، واستمدت قوتها من تمازج هذه الحضارات مع ما بين النهرين وفارس والحضارة العربية الإسلامية، إضافةً إلى المكون الوطني الذي نشأ في كنف استقرار العديد من القوميات واحتضان البحرين لها، وانصهار هذه القوميات على تلك الأرض الطيبة، لتقام عليها حضارة البحرين الحديثة، حتى تناغمت هذه الحضارة مع كل مفردات حركة التغيير الكبرى إبان قيام الدولة العثمانية ومن ثم ظهور حركات التحرر الوطني التي نشأت في عهود الاستعمار المتلاحقة، وصولاً إلى الاستقلال التام الذي تمتعت به مملكة البحرين بعد كفاح شعبي طويل منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي.
وها نحن اليوم أمام تحدٍ جديد مفاده أن مراكز البحث العلمي في الجامعات لابد وأن تشكل منظومة تدقيق متشعبة، تضم العديد من المراحل التاريخية والعديد من العوامل التي ساهمت في تشكيل الشخصية البحرينية، وتلك التي لعبت دورًا واضحًا في رسم ملامح الهوية البحرينية بشكلها ومضمونها وممارساتها الراهنة.
من هنا يمكن الحديث بدقة عن التوثيق، عن التدوين غير المخل، وعن التصفية والفرز اللازمين للمعلومات غير الدقيقة التي خرجت بها بعض المطبوعات إلى الجمهور من دون التحقق من تدقيق للمعلومات الواردة، ومن دون التثبت بأن ما ورد في هذه المؤلفات يعتمد على مستندات ثبوتية وقطعية واضحة ودقيقة.
لابد وأن تلعب الجامعات دورًا تحققيًا عن هذه المعلومات، وتحريًّا أدق لمصادرها وأساسها ومدى صحتها؛ حتى تصبح مرجعًا معتبرًا لدى الجهات التي تدقق والتي تعتمد مؤلفاتنا ومراجعنا.
إن دعوة جلالة الملك لابد وأن تؤخذ في الاعتبار ليس عن طريق المؤسسات الرسمية التي تتحقق وتُحقق وتتحرى فحسب، إنما أيضًا من خلال مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجامعات التي أصبحت مسئوليتها أكبر في سبيل أن يكون للتحقق من التاريخ أساسه النظري، وأحداثه الواقعية، وألا يكون ذلك مجرد خلطة خيالية في كتاب لا يدرك الفرق بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي، أو بين الحقيقة والخيال، والله المستعان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية