العدد 5401
السبت 29 يوليو 2023
banner
"كربلاء".. الملحمةُ العابرةُ للأديان!
السبت 29 يوليو 2023

شاءت القدرة الإلهية أن تكون الدماء الطاهرة التي أُرِيْقَتْ على شاطئ الفرات في أرض كربلاء قبل أكثر من 1380 سنة، بمثابة الوقود الذي يُغذي شجرة الإسلام، لتعود عاماً بعد عام وتُلقي بظلالها الكئيبة على الواقع المأساوي، فهي لم تبقَ حدثا تاريخيا مضى أو طقوسا حربية وقعتْ، بل هي رسالة عالمية بفلسفتها التي انتصر فيها الدّم الطاهر على السيف اللئيم في موازين الخير والشر، هذه الملحمة وبطلها السبط الحسين (ع) لم تُفرّق في تفاصيلها بين الأعراق والأجناس بعدما قُتل فيها ابنه علي الأكبر (ع) والجندي جون بن حويّ (رض)، كما أنّها رسخّت قيّم التوازن بين الدين والدنيا حين خاطب أنصاره للصلاة قبل مُلاقاة خصومه، بل وعمقّتْ روح الأخوة في علاقته مع أخيه غير الشقيق الصنديد العباس (ع) وأخته العقيلة زينب (ع) التي برز فيها الدّور المؤثر للمرأة الصابرة العفيفة، فضلاً عن تسلّحها بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة التي تلاشت فيها العملقة الواهية والبهرجة الزائفة.

واقعة "كربلاء" التي قُتل فيها حفيد الرسول (ص) وكوكبة من أهل بيته وأنصاره ظهر يوم العاشر من محرم الحرام عام 61هـ، أضحت علامة فارقة في تاريخ الإسلام بعد أنْ استطاعت الخروج من الدائرة الدينية والعرقية واتّشحت بالصبغة الإنسانية العالمية التي دوّن فيها الأدباء والشعراء والفنانون والكتّاب والمغردون في تراجمهم ومؤلفاتهم ولوحاتهم ومنحوتاتهم وفنونهم بفضاءاتهم الواسعة، ومنهم – مثالاً لا حصراً - الشاعر اللبناني الكبير بولس سلامة في كتابه "ملحمة الغدير"، وعبد المسيح أنطاكي في مؤلفه "الملحمة العلوية"، وريمون قسيس الذي كتب عن "ملحمة الحسين"، وجورجي زيدان الذي نشر كتابه "غادة كربلاء"، حتى بلغت أصداؤها البلاد الأوروبية والآسيوية والأفريقية في تشكيل الأدب الشعبي وتفرض نفسها على المبدعين من الشعراء والمُنشدين على اختلاف انتماءاتهم وتوجّهاتهم الدينية والفكرية التي أكدوا فيها مجتمعين فيضها بالروح الوطنية المحضة، وهو ما يُترجم تشاركية السياق المذهبي وعدم استئثاره بمظلومية الحسين (ع) في أجواء وجدانية عكستها قوافي قصائدهم الحالمة التي يستدعون فيها واقعة "الطف" الأليمة في كل حادثة وسط انتشار جغرافي شاسع وحضور جماهيري لافت.

n نافلة:

تبدو ضآلة معركة "الطّف" من الناحية العسكرية جليةً، قبَالَ ما تركته من أثرٍ فكري وديني مُتعاظم في اللُّهوف على قتلَى الطّفوف بعد أنْ أضحت شعاراتها دافعاً في تبلور الثقافة الإسلامية وتشكيل القيّم الروحية وشُموليتها التي عبرت الأزمنة والحدود والسدود بعد احتضان تلك الرمال الطاهرات لرؤوس الآل الشامخات، ومات عليها السبط جسداً وبقيَ فيها روحاً.

السلامُ على الحُسين وعلى عليٍ بن الحُسين وعلى أولادِ الحُسينِ وعلى أصحابِ الحُسينِ وعلى أنصارِ الحُسينِ الذين بذلوا مُهجهم دونَ الحسين عليه السلام.

كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية