العدد 5384
الأربعاء 12 يوليو 2023
banner
لا عاصم إلا الصبر... سنتبعه رغم وطأة الأهوال
الأربعاء 12 يوليو 2023

في كثير من الأوقات تجعلك الحياة تدق الصخور أو تجلسك بجانب أشجار غريبة تذيقك برد العذاب والألم والمصائب، تقذفك في طينة لينة تجعلك تسأل حتى عن الموت.. لونه، أوراقه، أغصانه، غرفه الجانبية، ممراته، الضيم والصفعات.
توفي ابن عمي الشاب أحمد في أحضان شقيقه يوسف، وهو ألم حاد يستحيل أن يحرقه مطر النسيان، لأول مرة في حياتي أرى فيها يوسف يمشي في العتمة وينطفئ فجأة مستسلما لحزن المسافات، كانت الصدمة عميقة الصدى وجذورها في قبضة الرماد، ولم يبق في عينيه ما يشرب النواح.. ظل واقفا عند رأسه في غرفة غسل الميت، مخدرا كالجرح لفترة طويلة جدا، ورفض الخروج، دخلت عليه ولا أعرف غياهب المصير ولا مجاهل الطريق لأهون عليه، لكن كانت الحروف جليدية.. باردة، لا يحس بها ولا يسمعها وكأن السماء انهارت عليه ولم يعد فيه مكان لجرح آخر.
نبرة غريبة وخزت أعصاب جسدي، وخطوات معدودة لعمي يعقوب وهو يشير بإصبعه إلى جثمان ابنه أحمد في اتجاه معين ويقول لي وشظايا حزنه متناثرة.. لقد مات ابن عمك، لقد كسر قلبي.. رحل أول أبنائي عن الدنيا. أنا أعرف عمي “الله يطول في عمره”، ان الحزن يأكل حياته منذ أن توفي أبي، شقيقه محمد الماجد عام 1986، وعمتي فاطمة في نفس العام. منذ 37 سنة وهو يقود حافلة الحزن السوداء وجرحه مازال مفتوحا، بعيدا عن الناس.. مطعونا حزينا.
الحياة حركة.. الحياة إرادة، تحد، مواجهة، لكن بالنسبة لعمي كانت بلون حمرة اللهب، فزاعة بشعة، جميع الكلمات والأصوات المحيطة به تركض بسيقان ضعيفة وتحدثه شيئا عن اليتم.
والألم المزروع في الظلام ويتحرك فينا كالرعب، هو أن والدة ابن عمي أحمد المتوفى، ستجرى لها اليوم الأربعاء عملية فتح قلب بالمستشفى، وهي لا تعلم أن أحد أبنائها غادر جدران الحياة إلى الأبد، لكن لا عاصم إلا الصبر، سنتبعه رغم وطأة الأهوال.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية