العدد 5370
الأربعاء 28 يونيو 2023
banner
روسيا وعلامات استفهام مقلقة
الأربعاء 28 يونيو 2023

ما الذي حدث في روسيا الأيام القليلة الماضية؟ علامة استفهام لا تزال محلقة في الآفاق، من غير جواب واضح أو شاف، بعدما بدا وكأنه تمرد من مجموعة فاغنر المسلحة، وبقيادة بريغوجين، طباخ بوتين السابق، هل ما جرى في الداخل الروسي مهم للعالم الخارجي؟ نعم ذلك كذلك، فروسيا ليست دولة عادية، بل كيان قطبي كبير قادر على التأثير في شؤون العالم إن سلما وإن حربا.
لا تبدو روسيا مستقرة، ولن تستقر الأمور في داخلها بحال من الأحوال، طالما بقيت الأزمة الأوكرانية قائمة، فهذا يعني أن إصرار الغرب على المواجهة سيتصاعد، وبقيادة أميركية لا تلين على أن لا يتكرر سيناريو غزو أوكرانيا. يقول بعض المراقبين إن دعم الولايات المتحدة الأميركية لأوكرانيا، ليس هدفه الدفاع ولو عن شبر واحد من الأراضي الأوكرانية، أو مساعدة الأوكرانيين على كسب الحرب، أو أي شيء مشابه، إنما هدفهم الحقيقي بسيط للغاية، إضعاف روسيا عسكريا واقتصاديا، واستنزافها حتى آخر قطرة وإلحاق الأذى بها، عبر قتل جنودها وتدمير اقتصادها حتى لا يعود بإمكانها أن تقاوم بعد الآن الهيمنة الأميركية على أوروبا والعالم. هذا الهدف يمكن للمرء فهمه في سياق التنافس القطبي التقليدي، بين واشنطن وموسكو، لكن ما لا يمكن تصوره، هو حدوث انشقاق أو تمرد روسي داخلي، فهذا ما يهزم ويهدم الامبراطوريات من داخلها دون أدنى شك.
ما حدث نهار السبت الماضي من استيلاء قوات فاغنر على مدينة روستوف الروسية، وحديثها عن الزحف نحو موسكو، ثم إعلان بريغوجين أن بوتين أخطأ، وأنه لابد لروسيا من رئيس جديد، أمور خارج سياق الفهم اللحظي، وتحتاج ربما إلى المزيد من الوقت لفهم أبعاد ما حصل. هل تأثرت صورة القيصر بوتين جراء هذا التمرد الذي لم يزد 24 ساعة؟ الذين تابعوا كلمة بوتين، التي تحدث فيها عن الخيانة التي جرت، ربما شاهدوا ملامح شخص آخر، بخلاف الرجل القوي الممسك بزمام الأمور بقوة، والقابض على جمر الأحداث، خصوصا أزمة الصراع مع أوكرانيا.
تبعات تمرد السبت الماضي، طالت جماعة السيلوفيكي، أي كبار القادة المحيطين بالرئيس بوتين، وفتح الأبواب أمام تساؤل مثير للقلق والإزعاج: "هل يمكن أن يحدث تمرد من هذه الجماعة ضد الرئيس الروسي؟".. هذه الجماعة تشمل رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، وقيادات مجلس الأمن القومي، عطفا على رؤساء أجهزة الاستخبارات الروسية العتيدة. 
هنا ليس سرا أن هناك من يتحدث عن نوايا الغرب في تقسيم روسيا من الداخل، تماما كما حدث مع الاتحاد السوفييتي سابقا، بل أكثر من ذلك، فهناك من يتساءل عن دور بريغوجين، وهل هو غورباتشوف جديد، مهمته تفتيت كيان روسيا الاتحادية؟
أكدت أزمة فاغنر أنه لا يمكن لأية دولة مركزية قوية، أن تعرف وجود الميليشيات على أراضيها، مهما قيل من تبريرات، وعن الحاجة إلى دعمها في أوقات بعينها، هذه جميعها أكاذيب لا تستقيم، فيما تكون النتيجة اللاحقة كارثية، وهذا ما نراه قائما في السودان وليبيا، ورأيناه في اليمن والعراق وسوريا، والعديد من بقاع وأصقاع العالم العربي من أسف بالغ.
درس بريغوجين يقطع بأهمية الجيوش الوطنية النظامية، ذات العقيدة القتالية العسكرية الواحدة، والتي لا تعرف هدفا سوى حماية الأوطان من أي وكل عدوان خارجي أو داخلي. 
 كارثة ما يمكن أن يحدث في روسيا، إنها الدولة التي تمتلك أكبر قدر من الرؤوس النووية حول العالم، ما يعني أن أحاديث تفكيكها أو حدوث حرب أهلية داخلها، أمر سوف يتهدد العالم برمته بالدمار النووي عند لحظة بعينها. 
لا خلاص لروسيا والعالم، سوى إنهاء الحرب الأوكرانية، والسعي في طريق استعادة سلامها واستقرارها الداخلي وطمأنة العالم الخارجي.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية