العدد 5363
الأربعاء 21 يونيو 2023
banner
الإسكندر الأكبر وعصر ما بعد السيلكون
الأربعاء 21 يونيو 2023

ما الذي يجمع الإسكندر الأكبر مع رقائق السيلكون؟ يبدو من الوهلة الأولى أن لا تشابه بينهما، وهناك فارق أكثر من ألفي عام بين زمن الامبراطور المقدوني، وبين عالمنا المعاصر، والذي تلعب فيه رقائق السيلكون أحد أهم الأدوار في مسيرة البشرية المعاصرة، غير أن عالم الفيزياء الياباني الأصل الأميركي الجنسية "ميتشيو كاكو" في مؤلفه المثير "رؤى للمستقبل.. كيف سيغير العلم حياتنا"، يقدم لنا مقاربة مدهشة تجعلنا نتعلم من دروس التاريخ الماضية، ما يمكن أن يلقي بظلاله على واقع العلوم المعاصرة.
قهر الإسكندر الأكبر معظم العالم المعروف عندما كان في سن الخامسة والعشرين، منظما مجموعة من المستوطنات اليونانية المنعزلة، وحصل من خلال حملات عسكرية قوية على امبراطورية، وقبل معركته العظمى زار "عراف آمون" الشهير الذي تنبأ بأنه سيقهر العالم، وسيحصل على قدرة فائقة، لكنه مات في سن الثالثة والثلاثين، ولم تبق امبراطوريته فترة طويلة بعده، فقد تمزقت إلى وحدات إثر تنازع القادة فيما بينهم. هل هذا هو مستقبل شرائح السيلكون التي تحدد مصير العالم اليوم، تلك الرقائق الإلكترونية التي من شأنها قيام الحروب وحدوث القلاقل والاضطرابات، كما هو الحال الآن بين الصين والولايات المتحدة الأميركية؟
المؤكد أنه في ظل الأحاديث المتصاعدة في الفترة الأخيرة عن الذكاء الاصطناعي، وما يتوقعه البشر من تنامي تلك المعرفة المخيفة، يبقى الحديث عن تلك الرقائق أمر واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، خلال الـ 25 سنة الماضية قهرت الشرائح الرقيقة المكونة من السليكون زمن الكمبيوترات الضخمة، وميسرة وضعها على مكاتب الناس جميعا، وخلال عقود أضحت المحرك الجديد الذي يدفع الصناعة والأعمال والعلم والتكنولوجيا، لاسيما بعد أن ولدت صناعة مغرية لأشباه الموصلات تقدر اليوم بنحو 600 مليار دولار.
على أن التساؤل الذي يدور في عقول الفيزيائيين والمهندسين اليوم هو عما إذا كانت امبراطورية الكمبيوتر الضخمة التي خلفتها الشريحة السليكونية الدقيقة ستبقى بعد اندثار هذه الشريحة أم لا؟ مثل امبراطورية الإسكندر الأكبر العظيمة، لكن القصيرة الأجل، فإن صناعة الشريحة الدقيقة قد تنهار في نهاية المطاف، وتتقلص إلى مشاحنة بين تصاميم متنافسة، تتصارع من أجل دفع طاقة المعالجة في الكمبيوتر إلى الأمام.
هل يقودنا الأمر إلى عالم الذكاء الاصطناعي، وتاليا الذكاء الفائق الاصطناعي، وما كان ينسب إلى أعمال القوى الخارقة قبل قرون، ليجد الإنسان نفسه أمام دائرة من الواقع المعاصر أقرب إلى الخيال؟ 
بدون إغراق في قضايا البحث العلمي والتكنولوجي، يبدو المشهد العالمي مثيرا جدا، خصوصا في ظل تطوير كمبيوترات غير سلكية بالمرة، سوف تعرف باسم الكمبيوترات البصرية، بحيث تعبر بحرية عن بعضها في الأبعاد الثلاثة، حاملة ملايين إلى بلايين التعليمات في الثانية. ومن أجل تخزين الكميات الهائلة من البيانات التي ستحمل بواسطة الأشعة الضوئية، يفكر العلماء اليوم في طاقة أكثر تأثيرا من أشعة الليزر، بالضبط مثل تلك التي باتت تستخدم في تقنيات الصورة المجسمة أو "الهولوغرام ".
والشاهد أنه أمام مثل تلك المخترعات فائقة التخيل، يتساءل المرء: "هل سيقلص الذكاء الفائق حضور البشر، أم أن الأمر سيتجاوز ذلك إلى الروبوتات المفكرة، وهي بدورها عند نقطة زمنية بعينها، قد تمتلك حسا وعاطفة بدرجة ما، لتدخل في حقب زمنية تالية في صراعات مع البشر، تنتهي بإزاحة الآخرين، وتقسيم نفوذهم إلى حد القضاء على حضورهم، بالطبع كما جرى مع مملكة الإسكندر الأكبر قبل الميلاد"؟.
لم تعد القصة إذا مرتبطة بفكرة شرائح السليكون فحسب، إنها مستقبل الإنسانية في علاقتها مع التكنولوجيا، والتي صنعها لتسهل حياته، فإذ بها تتهددها.
هل مستقبل البشرية في خطر؟

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية